ثقافية

أهمية الإعلام العراقي.. كلية الإعلام أنموذجاً

مازن لطيف

…إن ذلك لا ينفي وجود أسباب أخرى مادية ومعنوية، لكن المشكلة الرئيسية التي تواجه مستقبل الإعلام في العراق وتهدده بشكل كبير تكمن في كيفية إعداد جيل إعلامي كفوء وقادر على مواكبة المستجدات والمتغيرات الحاصلة في العالم. وهو الأمر الذي يضع مهمة تحديد ماهية هذه الكيفية بشكل دقيق، باعتبارها المهمة الكبرى من اجل تذليل الخلل المنظومي في واقع الإعلام العراقي الحالي. مما يفترض بدوره فهم واقع المؤسسة الإعلامية أو الجهة المسؤولة عن إعداد الجيل الإعلامي. فمعظم الإعلاميين العاملين في الساحة الآن ينقسمون بين “قسمين” احدهما نشأ وتربى وعمل في المؤسسات الإعلامية السابقة. ومن ثم فهو يتمتع بخبرة متراكمة في هذا المجال. أما القسم الثاني، فهو يحتوي على الإعلاميين الذين غيبوا في الفترة الماضية بسبب ميولهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية. وهم أيضا يتمتعون بخبرة متراكمة بهذا المجال. وهي أقسام مختلفة من حيث المقدمات، لا يمكن إزالة الفوارق بينهما بين ليلة وضحاها.

غير أن من الضروري عدم تسييس هذه الاختلاف، انطلاقا من إدراك آفاق المستقبل العراقي، باعتبارها غاية الجميع. ومن ثم، فان المهمة تقوم في النظر الى المستقبل والأجيال الجديدة. وهي المهمة الأعقد حاليا، وذلك بسبب الخلل الكبير في المدرسة والجامعة العراقية، وفي الحال المعنية كلية الإعلام. فقد تعرضت أكثر من غيرها لتدمير في المرحلة السابقة والحالية. وهو تدمير نابع من رؤية سياسية وحزبية ضيقة لا تدرك طبيعة ومهمة الإعلام ورسالته الاجتماعية والوطنية. وهي مهمة يمكن تحقيقها من خلال تأسيس جيل إعلامي يدرك مهمته باعتبارها مهمة تنويرية عقلانية إنسانية وليس دعائية تحريضية. وهي مهمة ليست سهلة بسبب الصعوبات التي تعاني منها الجامعة وكلية الإعلام بشكل خاص، وبالأخص ما يتعلق منه بالناحية التطبيقية والعملية ضمن إطار الجامعة. وذلك بسبب افتقادها للوسائل والأدوات الخاصة لهذا الغرض.

إن الجهة الرئيسية الحالية والمسؤولة عن إعداد الإعلاميين هي كلية الإعلام. وهي تعاني من ضعف وخلل شبه منظومي بهذا الصدد، هو نتاج مرحلة زمنية طويلة وصراع حالي لا يتسم على الدوام بالعقلانية والواقعية. ومع كامل احترامي للأساتذة الحاضرين والغائبين، فان الكلية لا تمتلك المؤهلات الكافية التي تمنحها القدرة على إعداد كوادر إعلامية جيدة. فبالرغم من كونها كلية تطبيقية من حيث مهمتها وهيكلها الخاص، إلا أنها مازالت تعتمد الأسلوب النظري الصرف في تأهيلها للطلبة. إذ لا يوجد فيها أماكن لتدريب الطلاب، كما لا يوجد فيها أسلوب التطبيق العملي، كما أنها تمتلئ بمواد تدريسية لا تفيد المتخصص بهذا المجال. وهو الأمر الذي يستلزم استبدالها بالمواد والاختصاصات التي تخدم إنتاج كادر رفيع المستوى بهذا الصدد. وليس مصادفة أن يتسابق خريجو الكلية للحصول على فرصة المشاركة في دورات إعلامية تنظمها مؤسسات المجتمع المدني داخل العراق وخارجه “لإعادة تأهيلهم” من اجل زجهم في “سوق العمل”!

لذلك اقترح ما يلي :

1. أن تعتمد كلية الإعلام في تدريسها على الجانب التطبيقي البحت، أو أن تعطي له الأولوية. وإذا كانت الكلية تعاني الآن من انعدام أو ضعف قاعات التدريب المتخصصة والاستوديوهات، فلا بأس من اعتمادها بصورة مؤقتة على أصحاب القدرة والكفاءة والتجربة من الإعلاميين العاملين في مختلف المؤسسات الإعلامية والاستفادة من تجاربهم بهذا الصدد.

2. إننا بحاجة الى رؤية واقعية ومتوازنة تقرن الجوانب النظرية بالعملية التطبيقية، والأكاديمية بالتقنية. مما يستلزم بدوره إعداد برامج محددة ودقيقة تتعلق بالإعداد والارتباط الدائم بين المؤسسة التعليمية ومحطات التلفزيون والإذاعة والصحف من خلال الزيارات الميدانية. وذلك لما فيها من إشراك ضروري للطلبة في تحسس وإدراك عملهم اللاحق والمباشر.

3. إبرام اتفاقيات مع المؤسسات الإعلامية داخل وخارج العراق لتدريب الطلاب في فترة العطلة الصيفية أو بعد انتهاء الدوام الرسمي من اجل إعطائهم فرصة لمواكبة التطورات والمتغيرات التي تطرأ على العملية الإعلامية بشكل متواصل

4. اختيار الطلبة الموهوبين وتوظيف الجهود من اجل ترقيتهم المهنية والمعنوية.

5. وضع آلية قبول خاصة لطلبة كلية الإعلام تتم من خلال الاختبار المسبق من قبل لجنة تضم عدد من الأساتذة والإعلاميين تجري عبر لقاءات مباشرة مع المتقدمين لدراسة الإعلام من اجل تحديد كفاءتهم الثقافية واستعدادهم المهني.

إن ما اقترحه ليس بديلا شاملا ولكنه يساهم في حال اخذ ما هو مناسب بالنسبة لكلية الإعلام في إعداد جيل إعلامي قادر على تأدية مهمته الخاصة ورسالته الإعلامية بشكل مهني رفيع. وبهذا نكون قد وضعنا أسس الحل والواقعي والعقلاني لأهم مشاكل الإعلام العراقي.

قد يهمك أيضاً