فالح حسون الدراجي
كان الشيخ الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله يتمشى في أحد أسواق النجف فلمح شاباً معمماً يتناول الـ (شلغم) عند عربة شعبية على قارعة الطريق، وأمام مرأى الناس.. فتوقف الشيخ الوائلي عند ذلك الشاب المعمم وهمس في أذنه قائلاً: لايجوز لك ياولدي أن تتناول الـ (شلغم) أمام مرأى الناس في الشارع العام، وأنت ترتدي العمامة.. لقد أردت أن أنبهك لهذا الأمر عسى أن تكون في غفلة من أمرك، أو ربما لاتعلم بأن لهذه العمامة حرمة وقدسية وشروطاً يعرفها الشخص المعمم قبل غيره.
فألتفت ذلك الشاب الى الوائلي، وأجابه بجفاء قائلاً: وهل أصبح تناول الشلغم حراماً في الإسلام ياشيخنا؟
فأجابه الوائلي رحمه الله بهدوء تام قائلاً: لا ياولدي، ليس حراماً أكل الشلغم في الإسلام وبإمكانك أن تتناوله في الشارع والسوق وأي مكان، لكن عليك أن تعيد لنا عمامتنا قبلها!!
وهنا توجه صاحب عربة الشلغم بالسؤال الى الشيخ الوائلي قائلاً: طيب هل يجوز لي أنا شخصياً تناول الشلغم في الشارع .. خاصة وإني لست معمماً؟
فضحك الوائلي وقال له: تستطيع يا أخي أن تتناول الشلغم، أو غيره في أي مكان هنياً مرياً دون أن يقول لك أحد أفٍ .. فالمشكلة ليست في أكل الشلغم، إنما في إستحقاقات العمامة التي يتجاوزها البعض!!
واليوم لا أعرف ماذا سيقول الشيخ الوائلي لوتمشى في أروقة الحياة العراقية ورأى بعينيه أصحاب العمائم في (الشارع) السياسي، (والسوق) النيابية، وهم لا يأكلون الشلغم فحسب، بل يأكلون ( الزلط ) أيضاً. فبعض أصحاب هذه العمائم – مع كل إحترامنا وتقديسنا للعمائم الشريفة لمراجعنا وسادتنا وشيوخنا الأجلاء – لايكتفون بأكل مال الله، إنما يأكلون (مال الله ومال عباده)!!
وفيهم من لا يحترم هذه العمامة، ولا يعرف قيمتها تماماً مثل ذلك الشاب المعمم الذي نهره الوائلي عند عربة الشلغم!!
ولعل (الشيخ) النائب صباح الساعدي أحسن نموذج من تلك النماذج التي لم تحترم عمامتها، ولا تعرف قيمتها مطلقاً.. فهو الذي أطاح بها هنا وهناك مرات عديدة، وأهانها في مواقف سياسية نخجل من ذكرها، وأنزل وزنها في إستعراضات خطابية مدفوعة الثمن، كما إستخدمها في أمور(تجارية)، وحكومية مذلة لا مجال لذكرها في هذا المقال القصير..
ومهما نسيت فلن أنسى لهذا النائب صراخه، و (حنقبازياته) أمام شاشات التلفاز، وهو يقفز مثل لاعبي السيرك هنا وهناك، فيضحكنا تارة لبهلوانياته، ويحزننا تارة، أسفاً على قيمة العمامة التي أرتداها ويرتديها مفاخر العقيدة الإسلامية النبيلة، وآيات العلم والدين والشرف الجعفري المهاب.. كما لا أستطيع أن أنسى لهذا النائب إساءاته الشرسة لكل من يختلف معه، سواء كان مع الحكومة أو ضدها، خاصة إساءاته القصدية لأولئك المضحّين من المجاهدين ضد حكم الطاغية صدام، والذين ساهموا بشكل فعال في إسقاطه، في الوقت الذي هو يعرف، ونحن نعرف أين كان هذا (الشيخ البطل)؟
نحن لانريد أن نتعرض للحياة الشخصية لهذا (الشيخ)، كما نرجو أن لايجبرنا على سردها بالتفصيل، فالبصرة ليست بعيدة عن بغداد، ولكل إمرئ محبون وكارهون، وكلهم يملك ألسنة تحكي، فيصل بعض حكيها لكل مكان، لذا فليكف هذا الشيخ عن التعرض للمجاهدين والمناضلين المضحّين، وليمسك لسانه قبل أن نضطر لنشر غسيله الوسخ على حبال معارفه وأصدقائه قبل حبال أعدائه. ولا داعي لأن نقول بأن هذا (الشيخ) قد أثلج بتصريحاته المعادية صدور البعثيين والطائفيين والوهابيين من أعداء العملية السياسية في العراق. خصوصاً حين تعرض قبل أيام قليلة الى أحد المجاهدين المضحّين عبر إحدى القنوات الفضائية، غامزاً من قناة (الخدمة الجهادية)، بينما يعرف (الشيخ) صباح الساعدي أن (عدنان الأسدي) الذي رمى أكاذيبه وتلفيقاته عليه، لم يستفد قط من هذه الخدمة، إنما إستفاد من حقوق قانون المفصولين السياسيين، حاله حال مئات الآلاف من المفصولين السياسيين الذين إستفادوا من هذا القانون، وليس عدنان الأسدي وحده.. وأقسم بدم الحسين الطاهر إني لم ألتق يوماً بعدنان الأسدي، ولم أتحدث معه قط، وليس لي عنده مصلحة، أو مطمع، بقدر ما أردت أن اوضح هذه الحقيقة التي حاول (الشيخ) قلبها رأسا على عقب .. كما أردت أن أوضح – كصحفي عراقي مسؤول أمام الرأي العام – أن عدنان الأسدي لايحمل رتبة لواء في الشرطة كما إتهمه الساعدي، وأظن أن الذي دس للشيخ هذا الخبر كذب عليه، وورطه.. فهو لم يبلغه أن الأسدي أعتذر عن قبول هذه الرتبة في نفس اللحظة التي منح فيها، وهذا أمر يحسب للأسدي كما أظن وليس ضده. ولكن لماذا لم يذكر (الشيخ) في تلك المقابلة تضحيات عدنان الأسدي وعائلته في مواجهة النظام الصدامي، وهي تضحيات يعرفها الصغير والكبير حتى باتت حديث الناس جميعاً إلاَّ هذا الشيخ (المجاهد جداً)؟