نواف رضوان
صادف الاحد الماضي، ذكرى اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني، ناجي العلي، وهو الذي لا يعرف تاريخ ميلاده على وجه التحديد، ولكنّه يعرف أنّه ولد في قرية الشجرة، الواقعة بين طبريا والناصرة، عام 1937. واغتيل الفنان ناجي العلي، في 22 تموز/ يوليو، عام 1987، في العاصمة البريطانيّة لندن، حيث أشارت أصابع الاتهام حينها، إلى جهاز الموساد الإسرائيلي، وتحميله المسؤولية عن اغتيال العلي.
وكانت السلطات البريطانيّة، قد اعتقلت شخصًا يدعى بشّار سمارة، وتبين بعد ذلك علاقته بجهاز الموساد، وهو ما دعا رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك، مارغريت تاتشر، إلى إغلاق مكتب الموساد في العاصمة البريطانيّة.
وكان العلي، قد هاجر مع أهله وهو في العاشرة من عمره إلى جنوب لبنان، حيث عاش في مخيم عين الحلوة، وقد اعتقل بعد ذلك أكثر من مرة، ثمّ سافر إلى طرابلس، ونال من هناك شهادة ميكانيكا السيارات، وتزوّج من سيدة تدعى وداد نصر، وأنجب منها أربعة أولاد. وفي عام 1965، سافر العلي إلى الكويت للعمل كمحرر ورسام ومخرج، في صحيفتي “الطليعة” و”السياسة”، وما لبث أن عاد إلى لبنان، ليعمل في صحيفة “السفير” ببيروت.
وكان الكاتب الفلسطيني، غسان كنفاني، قد اطلع على رسومات ناجي العلي، أثناء زيارة لمخيم عين الحلوة، لينشر أولى لوحاته، والتي كانت عبارة عن “خيمة تعلو قمتها يد تلوّح”، والتي نشرت في مجلة الحرية عام 1961. وابتكر ناجي العلي، أشهر الشخصيات الكاريكاتيرية في العالم، وهي شخصية حنظلة، عام 1969، في جريدة السياسة الكويتية، حيث أصبحت هذه الشخصية، توقيع ناجي العلي على رسوماته، وأصبح حنظلة، رمزًا للفلسطيني القويّ والمعذب والشاهد على الأحداث.
كان لدى ناجي شخصيات أخرى رئيسية تتكرر في رسومه، شخصية المرأة الفلسطينية التي أسماها ناجي فاطمة في العديد من رسومه. شخصية فاطمة، هي شخصية لا تهادن، رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبطريقة حلها، بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحيانا. في العديد من الكاريكاتيرات يكون رد فاطمة قاطعا وغاضبا، كمثال الكاريكاتير الذي يقول فيه زوجها باكيا: سامحني يا رب، بدي أبيع حالي لأي نظام عشان أطعم ولادي فترد فاطمة: الله لا يسامحك على هالعملة. أو مثلا الكاريكاتير الذي تحمل فيه فاطمة مقصا وتقوم بتخييط ملابس لأولادها, في حين تقول لزوجها: شفت يافطة مكتوب عليها “عاشت الطبقة العاملة” بأول الشارع, روح جيبها بدي أخيط اواعي للولاد. أما شخصية زوجها الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، كبير القدمين واليدين مما يوحي بخشونة عمله. مقابل هاتين الشخصيتين تقف شخصيتان أخريان, الأولى شخصية السمين ذو المؤخرة العارية والذي لا اقدام له (سوى مؤخرته) ممثلا به القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة الانتهازيين. وشخصية الجندي الإسرائيلي, طويل الأنف, الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال, وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية.
يكتنف الغموض اغتيال ناجي العلي ففي اغتياله هناك جهات مسؤولة مسؤولية مباشرة، الأولى الموساد الإسرائيلي والثانية منظمة التحرير الفلسطينية كونه رسم بعض الرسومات التي تمس القيادات آنذاك اما قضية الاغتيال ان جاز التعبير قد تنتهي بفرضية التصفية أو بعض الأنظمة العربية مثل السعودية بسبب انتقاده اللاذع لهم. اطلق شاب مجهول النار على ناجي العلي على ما أسفرت عنه التحقيقات البريطانية ويدعى بشار سمارة وهو على ما يبدو الاسم الحركي لبشار الذي كان منتسبا إلى منظمة التحرير الفلسطينية ولكنه كان موظفا لدى جهاز الموساد الإسرائيلي وتمت العملية في لندن بتاريخ 22 يوليو عام 1987م فاصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 اغسطس 1987، ودفن في لندن رغم طلبه أن يدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده وذلك لصعوبة تحقيق طلبه. قامت الشرطة البريطانية، التي حققت في جريمة قتله، باعتقال طالب فلسطيني يدعى إسماعيل حسن صوان ووجدت أسلحة في شقته لكن كل ما تم اتهامه به كان حيازة الأسلحة. تحت التحقيق، قال إسماعيل أن رؤساءه في تل أبيب كانوا على علم مسبق بعملية الاغتيال. رفض الموساد نقل المعلومات التي بحوزتهم إلى السلطات البريطانية مما أثار غضبها وقامت مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء حينذاك، بإغلاق مكتب الموساد في لندن. لم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال على وجه القطع. واختلفت الآراء حول ضلوع إسرائيل أو منظمة التحرير الفلسطينية أو المخابرات العراقية أو أنظمة عربية كـ السعودية. ولا توجد دلائل ملموسة تؤكد تورط هذه الجهة أو تلك. يتهم البعض إسرائيل بالعملية وذلك لانتمائه إلى حركة القوميين العرب التي قامت إسرائيل باغتيال بعض عناصرها كما تشير بعض المصادر أنه عقب فشل محاولة الموساد لاغتيال خالد مشعل قامت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بنشر قائمة بعمليات اغتيال ناجحة ارتكبها الموساد في الماضي وتم ذكر اسم ناجي العلي في القائمة. ويتهم آخرون منظمة التحرير الفلسطينية وذلك بسبب انتقاداته اللاذعة التي وجهها لقادة المنظمة. بحسب تقرير للبي بي سي فإن أحد زملاء ناجي العلي قال أن بضعة أسابيع قبل إطلاق النار عليه التقى بناجي العلي مسؤول رفيع في منظمة التحرير الفلسطينية، وحاول إقناعه بتغيير أسلوبه فقام ناجي العلي بعد ذلك بالرد عليه بنشر كاريكاتير ينتقد ياسر عرفات ومساعديه . ويؤكد هذه الرواية شاكر النابلسي الذي نشر عام 1999م كتابا بعنوان “أكله الذئب” كما يدعي أيضا في كتابه أن محمود درويش كان قد هدده أيضا ويورد مقتطفات من محادثة هاتفية بينهما كان العلي قد روى ملخصها في حوار نشرته مجلة الأزمنة العربية (عدد 170 /1986/ ص14 . ويتهم اخرون سوريا أو أنظمة عربية السعودية أو الأردن. دفن الشهيد ناجي العلي في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن وقبره يحمل الرقم 230191. وأصبح حنظلة رمزاً للصمود والاعتراض على ما يحدث وبقي بعد ناجي العلي ليذكّر الناس بناجي العلي.