فارس عبد الوهاب أمين
وفي الصباح الباكر من اليوم التالي، ارسل رئيس اركان الجيش بطلب الضباط الاربعة واخبرهم بتفاصيل الاجتماع وقام بنقل رفعت الحاج سري الى قلعة صالح في العمارة واسماعيل العارف من منصبه سكريتر شخصي لرئيس اركان الجيش الى ملحق عسكري في السفارة العراقية في الولايات المتحدة وصالح مجيد السامرائي الى ملحق عسكري في السفارة العراقية في الاردن، اما عبد الوهاب امين فابقاه بمنصبه مدير الشعبة الثانية في مديرية الحركات العسكرية بوزارة الدفاع، جميع الكتب والبحوث العلمية والاكاديمية تؤكد ان العقيد الركن اسماعيل ابراهيم العارف هو الواشي وهو من كشف التنظيم امام رئاسة اركان الجيش، فقد ذكر رئيس اركان الجيش رفيق عارف اثناء محاكمته في محكمة الشعب برئاسة العقيد فاضل عباس المهداوي(محضر محكمة الشعب الجزء الخامس) انه كان يعرف بوجود تنظيم الضباط الاحرار وأنه كان يعتبر الضباط مثل أولاده ولم يحاسبهم او يخبر السلطة عنهم وانه ساعد التنظيم على النجاح بعد ان قام بنقل الضابط الذي كان يشكل خطرا خارجًا على التنظيم الى العراق ، وهذا الكلام ينطبق على اسماعيل العارف لانه اصبح ملحقا عسكريا بالسفارة العراقية في واشنطن، كما ذكر العقيد محسن حسين الحبيب في مذكراته وهو عضو اللجنة العليا لتنظيم الضباط الاحرار ما يلي: لقد تساءل الكثيرون بعد حادثة الكاظمية عن اسم الضابط الذي اخبر رئيس اركان الجيش بالاجتماع، وانه من الواضح لم يكن رفعت الذي أضره النقل اكثر من غيره بل واحد من الثلاثة الاخرين والذي يجب ان يكون وثيق الصلة برئيس اركان الجيش لكي يكون بمقدوره اخباره في صبيحة اليوم التالي من الاجتماع، وطبعا منصب اسماعيل العارف كسكرتير شخصي لرئيس اركان الجيش يؤشر الى تلك الحقيقة، وبعد نجاح ثورة ١٤ تموز اتصل إسماعيل العارف بجاسم العزاوي السكرتير الصحافي للزعيم وطلب منه اقناع الزعيم بنقله الى نيويورك ليصبح مندوب العراق في الامم المتحدة فوافق الزعيم على ذلك الامر الذي ادى الى غضب عبد السلام عارف ووصفي طاهر وقد تجسد هذا الغضب في محاكمة عبد السلام عارف في محكمة الشعب عام ١٩٥٨ عندما سأل عبد السلام وصفي طاهر عن سبب تعيين اسماعيل العارف مندوب العراق في الأمم المتحدة على الرغم من انه هو الواشي في اجتماع الكاظمية؟ ، فاجابه وصفي طاهر بانه يعلم انه الواشي لكنه يبقى قرار الزعيم ويجب احترامه، هذا الحوار موثق في محاضر محكمة الشعب الجزء الخامس. كما ان العقيد الركن جاسم العزاوي وهو صديق مقرب من إسماعيل العارف وشارك معه في انقلاب ٨ شباط ضد ثورة تموز يقول في مذكراته: ذكر لي العقيد الركن رفعت الحاج سري أنه يشك باسماعيل العارف بانه الواشي بحادثة الكاظمية وانه أرسل اليه تهديداً آخر او كشف ما يعرفه عن تشكيلات الضباط الاحرار ما ذكر شيئاً واتخذ قرارا بعزله عن التنظيم تماماً، وبعد ان صدر قرار بنقل اسماعيل العارف الى بغداد في تاريخ ١ شباط ١٩٥٩ اخر رجوعه خوفا من انتقام رفعت الحاج سري ولم يعد الى العراق الا بعد ان تم اعتقال رفعت الحاج سري بتهمة المشاركة في حركة عبد الوهاب الشواف عام 1959 وقرر السفر من الولايات المتحدة الى بريطانيا عبر البحر بدلا من الطائرة لكسب الوقت، وظل في لندن شهرا كاملا وفي بيروت ثلاثة اسابيع حتى تاكد بأن رفعت الحاج سري لن يخرج من السجن، كما ذكر العقيد الركن عبد الكريم فرحان وهو عضو اللجنة العليا لتنظيم الضباط الاحرار في مذكراته وهو يسلط الضوء على وشاية الكاظمية: الشك أن المخبر كان ضعيف الايمان بالنجاح ولعله تذكر حركة آذار مارس 1941 واعدام قادتها فسعى الى الهروب وقد تحقق له ما أراد فابتعد عن الميدان وكوفئ على صنيعته وكان منصب الملحق العسكري وما يزال من المناصب المرموقة سواء كان في الاردن او تركيا او الولايات المتحدة الاميركية لمزاياه المادية والمعنوية . كما يذكر الدكتور مجيد خدوري في كتابه العراق الجمهوري طبعة عام 1974 صفحة 35-36 ان جماعة رفعت الحاج سري يؤكدون ان الواشي هو اسماعيل العارف والذي حاول تفتيت التنظيم الذي يعتبر اقدم تنظيم للضباط الاحرار وان إسماعيل العارف اخذ المكافأة بنقله من السكرتير الشخصي لرئيس اركان الجيش الى ملحق عسكري في واشنطن واضاف خدوري” ان التنظيم اعاد بناء نفسه في حزيران 1956 بعد الكبوة التي مر بها نتيجة وشاية اسماعيل العارف وشكلت اللجنة العليا للضباط الاحرارواصبح عدد اللجنة العليا اربعة عشر ضابطا ومنهم مسؤول لجنة التخطيط والمتابعة الزعيم عبد الوهاب امين، وبعد التخلص من الواشي اتبع التنظيم اسلوب الحذر والكتمان. يقول الدكتور براندون روبرت كنج في كتابه المخابرات الامريكية وثورة تموز 1958 ترجمة مصطفى نعمان احمد صفحة 15 (ان الاخفاق الاستخباراتي الاميركي كان ضربة قاسية والسبب يعود للكتمان والحذر الشديدين بعد الوشاية، مشيرا الى ان هذا الفشل ادى الى خسارة اكبر حليف للغرب بالشرق الاوسط) كما يذكر هاني الفكيكي في كتابه اوكارالهزيمة صفحة 254 ما يلي : انه تم اعتقال اسماعيل العارف واخيه المحامي صفاء العارف في يوم انقلاب 8 شباط وعند وصولهم للمعتقل في معسكر الرشيد مقر اللواء التاسع عشر، صاح علي صالح السعدي وبصوت عال جدا وطلب من جميع الضباط احترامهم وتقديم العشاء والشاي لهم لانهم ضيفاه الشخصيان ومن الذين استفاد منهم الحزب في تحقيق الانقلاب الاسود. كانت هذه اخطر المحاولات والدرس منها كان قاسيا على جميع الضباط الاحرار, ولكن الحنكة والسرية والحذر مكنت من تشكيل اللجنة العليا لتنظيم الضباط الاحرار والمباشرة بخطة الثورة. قام العقيد الركن عبد الوهاب امين بالتنسيق السري مع الزعيم الركن عبد الكريم قاسم باصدار كتاب مديرية الحركات العسكرية لتحرك اللواء التاسع عشر واللواء العشرين الى الاردن من خلال بغداد مع الذخيرة الحية ما مكن من نجاح الثورة من اول اطلاقة.