وجوه

زلاتان إبراهيموفيتش سلطان متعدد الثقافات يسحر العالم

عبداللطيف الحاج

 

وقد لا يعلم كثيرون أن حياة السويديين اليوم، فيها بعض الطقوس التي يقومون بها بشكل دائم ومنتظم، كإشعال الشموع، وتحضير القهوة أو الشاي، وتدخين التبغ وشرب الكحول، وعزف الموسيقى ولكن أيضاً متابعة أخبار السلطان زلاتان إبراهيموفيتش. في أول جلسة معلومات في مبنى البلدية، بعد وصولي إلى السويد، طرح عليّ المشرف على تعريفي بعادات وتقاليد المملكة السؤال الاتي “من هي أشهر شخصية سويدية برأيك؟”. في اللاوعي الخاص بي، أجبت الملك كارل غوستاف السادس عشر بكل ثقة، كنت سعيدا جداً بحسن لفظ الاسم باللكنة الإنكليزية، ليأتي الجواب الساحق، الماحق، المدمر لا، ربما يكون الملك أحدهم. حاولت الالتفاف على الإجابة بطريقة دبلوماسية لكن ليتني لم أفعل، حيث وصلت بعدها لحقيقة لم تكن تعني لي الكثير وهي أن حفظ اسم اللاعب زلاتان إبراهيمفويتش بالسويدية والمولود في السويد لأب بوسني مسلم هاجر إلى السويد في عام 1977 اسمه شفيق، وأمّ كرواتية كاثوليكية تدعى يوركا غرافيتش، يعتبر أداة مساعدة لكل المهاجرين للدخول إلى المجتمع السويدي، حيث يرغب الجميع هنا في سماع قصة زلاتان واختلاق طقوس عجائبية حول سيرته الذاتية.

 

عالم إبراهيمفويتش

لمَ لا وإبراهيموفيتش يعتبر صاحب الرقم القياسي المدهش، فهو الذي استطاع ترويض الكرة على ارتفاع ثلاثة أمتار وخمسة وسبعين سنتيمتراً، حيث يملك محرك بحث خاصا باسمه بألوان غوغل، وفقا لما أعلنت وكالة العلاقات العامة التي أطلقت هذا المشروع. إذ قال أندرياس كيلاندر مدير شركة سويت بوب الذي أطلق موقع زلاتان دوت كوم إن “محرك البحث مرتبط بغوغل وكل نتيجة يحصل عليها المتصفح لديها رابط مع زلاتان”.

يضيف كيلاندر “إذا قمتم بطباعة كلمة فيراري مثلا، فإنكم ستحصلون على معلومات على سيارة فيراري الخاصة بزلاتان، وإذا قمتم بطباعة كلمة وصفة فإنكم ستحصلون على زلاتان بيرغر”. ويختم بالقول “زلاتان مثال. العالم بأسره يعرفه ولهذا السبب قمنا باختياره. لم نسأله رأيه، لكننا نأمل بأن يرى ذلك كتجربة مثيرة”.

السلطان إبراهيمفويتش المولود عام 1981 في الثالث من أكتوبر، بدأ شغفه بكرة القدم منذ الصغر وبالتحديد في عمر الخامسة عندما قدمت أمّه له زوجاً من الأحذية الكروية الرياضية ذات اللون الأحمر من معرض يـُدعى “سكور بونكت” بسعر منخفض. اعتاد اللعب بالطرق وبين المنازل، وكان يسبب الإزعاج للجيران الذين اشتكوا لأمّه بأنه يفسد أشجارهم حيث كان يذهب إلى حي ويمبلي  ويلعب مع أصدقائه هناك.

التحق إبراهيموفيتش بمدرسة “ويرنر ريدونسكولان” والتي بدأت في كشف مواهبه وضمه إلى نادي بلقان إف سي، حيث تألق اللاعب هناك. إلا أن عدم اقتناع المدرب به جعله في إحدى المباريات احتياطيا، وقد كانت المباراة آنذاك ضد فريق فيلينج، فخسر فريق بلقان الشوط الأول برباعية، إلا أن نزول زلاتان في الشوط الثاني قلب النتيجة رأسا على عقب محرزاً ثمانية أهداف بالتمام والكمال ليفوز فريقه 8-5، ليصبح هذا الموقف أحد أهم المواقف في حياة زلاتان.

 

احتراف مبكر

الانتقال إلى نادي مالمو كان في عمر الـ12 لهذا اللاعب، وبالتالي فقد بدأ حياته الاحترافية مبكراً، إلا انه عندما بلغ عمر الـ15 قرر العودة إلى فريقه السابق بلقان. ولكن نادي مالمو رفض التخلي عن اللاعب وقدم له عرضاً مغرياً جعله يبدل رأيه فوراً. ولعل أهم لحظات حياته هي عندما استطاع بتسجيله 12 هدفاً تأهيل ناديه إلى دوري الدرجة الأولى السويدية في عام 2000 ولكنه سرعان ما ترك الفريق بعد تحقيقه لهذا الإنجاز.

ومع تألقه أصبحت الصحافة تكتب كل يوم عن النجم الجديد. ففي عام 2000 وبالتحديد يوم 15 أكتوبر كتبت الصحيفة السويديه الشهيرة “جنوب السويد” مقالاً تتحدث فيه عن مهاراته وبراعته في التسجيل، ففي التاسع من شهر سبتمبر لسنة 2000 سجل إبراهيموفيتش هدفاً خرافياً ضد فريق موسا النرويجي، حينما قطع الكرة من لاعب الفريق النرويجي وتجاوز بها لاعباً آخر بالكعب قبل أن يسدد الكرة وهي في الهواء ويسكنها في زاوية المرمى.

ذلك الهدف كان كافياً لأن يجعل بيين كاكير مدرب أجاكس يفكر بضمة لفريقه، وبعد ثلاثة أيام فقط من الهدف، أعلن نادي أجاكس ضم اللاعب إلى صفوفه ليصبح أغلى لاعب ينتقل من السويد بصفقه قدرت بـ85 مليون كرون سويدية أي 7 ملايين و800 ألف يورو، لتنهي محاولات آرسن فينغر إقناع إبراهيموفيتش بالإنضمام للأرسنال، وقدم له قميص الأرسنال وطبع عليه الرقم تسعة واسم زلاتان، ويعتبر الرقم 9 من الأرقام المقدسة كروياً، فحملة هذا الرقم كانوا جميعاً نجوماً عظماء، شهد لهم التاريخ وسجل في دفاتره أسماءهم بأحرف من ذهب.

 

صاحب الحساسية العالية

 

الظهور الأول بلباس أجاكس الأبيض والأحمر كان في يوليو 2001 عندما بدأ مباراة فريقه ضد أويس في الشوط الثاني محرزاً أربعة أهداف خلال شوط واحد كانت كفيلة بفوز فريقه بنتيجة 13-0.

الحساسية العالية للمكان أو للكرة أو للهدف هي أهم صفات هذا اللاعب الفذ. علاوة على أن البنية الجسمانية لم تغب يوماً عن إبراهيموفيتش الذي طورها وحافظ على جسمه ولياقته، فبطوله الفارع حقق العديد من الأهداف لفرقه وهذا كان أحد أسباب لفت أنظار الجميع إليه.

ولعل الظهور الدولي هو الأهم لكل لاعب طموح، ولذلك فقد حقق إبراهيموفيتش هذا الأمر في عمر مبكر تحت إشراف المدربين لاجرباك و سودربيرج سنة 2001 ضد جزر الفاروه، فأحرز هدفه الأول في العام ذاته في مباراة منتخبه السويدي ضد منتخب أذربيجان، ويأتي ذلك بعد مدة قصيرة من الانضمام إلى نادي أجاكس أمستردام الهولندي.

وفي العام نفسه شارك زلاتان مع فريقه في بطولة دوري أبطال أوروبا وتمكن من قيادة دفة فريقه إلى الدور نصف النهائي بإحرازه خمسة أهداف. إلا أن عدم مشاركته في المباراة أخرج فريقه الذي كان يأمل في بطولة أوروبية، وكان من أبرز محاسن هذه البطولة هي انتباه الأوروبيين جميعاً إلى موهبة اسمها إبراهموفيتش.

عندما يتعلق الأمر بقصة حياة إبراهيموفيتش فبلا شك فان الكل سيستمع وبشغف. فقد حقق كتابه “أنا زلاتان” مبيعات تجاوزت هاري بوتر، حتى أن ناشر الكتاب نفسه لم يتوقع ذلك، ولكن عندما يتعلق الأمر بإبراهيموفيتش يصبح كل شيء ممكناً.

 

أنا زلاتان

هذا الكتاب الغريب من نوعه من الكُتب الفريدة والمثيرة للاهتمام، فهو يحاكي قصة نجم بدأ من الصفر وعانق المجد مع كل الأندية التي لعب لها، لكن طريقة الطرح ليست بالطرق التقليدية المُتعارف عليها بل بطريقة بسيطة وخفيفة الظل، فحين تبدأ في القراءة لا تشعر بالملل من هول الصفحات وتَعدّد الأحداث، وتواصل القراءة بشغف لمعرفة المزيد والمزيد من التفاصيل.

إبراهيموفيتش تحدث عن تفاصيل مثيرة للجدل عنه وعن زملائه الذين احتك بهم وعن منافسيه وعن كل المدربين الذين عمل معهم، وذكر القصص الطريفة عن طفولته ووالدته ووالده وشقيقته، ولم يتحفظ في حديثه عن أيّ أحد وكان جريئاً بما فيه الكفاية.

إبرا كادبرا روى أشياء لم يستطع أعتى الكتاب الصحافيين الأوروبيين سواء في إسبانيا أو إيطاليا معرفتها عنه. فالكتاب يبدأ بالكلمات الاتية “أهدي هذا الكتاب لعائلتي وأصدقائي وكلّ من شجّعني وكان بجانبي في الأيام الجيدة والسيئة، أيضًا أريد أن أرسله لجميع الأطفال وتحديدًا لأيّ طفل يشعر أنه مختلف وغريب قليلًا وأقول له إن الاختلاف عن الآخرين جيد أيضًا. واصل إيمانك بنفسك لأن كل شيء سيسير على ما يُرام فيما بعد”، ومن ثم التعريف بالشخصيات والأسماء الواردة خلال صفحاته قبل أن ينطلق بالفصل الأول.

كان إبراهيموفيتش يعشق سرقة الدراجات في صغره، فقد قال إنه كان يجد الأمر “مثيرا”. وعندما كان في السويد خرج ذات يوم من التدريبات، ووجد أن دراجته قد سرقت، فذهب بهدوء وسرق أجمل دراجة موجودة في المكان ورحل بسلام، ولكن في اليوم التالي وجد المدرب غاضبا للغاية وعندما سأل لماذا كانت الإجابة “لأن أحدهم سرق دراجته بالأمس” بالتأكيد علمتم من الفاعل.

كذلك يكشف إبرا بأنه لم يكن يمتلك أيّ مال عندما كان في بدايته مع أجاكس، وكان جائعاً، ولكنه كان عدائياً يرفض أن يطلب شيئا من أحد مهما كان. وذات يوم زاره ماكسويل، وعندما طلب طعاماً لم يستطع إبرا أن يقدم له شيئاً، فعلم ماكسويل ما يمر به إبرا فرحل وعاد بعد دقائق يحمل الكثير من الطعام حتى أن إبرا قال “لم أستطع أن أغلق باب الثلاجة”، ومن يومها وإبرا لا يصاحب إلا ماكسويل، بل إنه كان يطلب أن يرافقه في الفرق التي لعب لها وهي أجاكس، برشلونة، أنتر، باريس سان جيرمان، في محاولة لرد جميل     صديقه.

لكن اليوم ليس كريستيانو ولا بيل ولا زيدان بل زلاتان هو أغلى لاعب كرة قدم في التاريخ بمجموع انتقالاته الذي بلغ “125 مليون يورو”، تنقلات إبرا بين مختلف الدوريات وبمبالغ كبيرة جعلته ينفرد بذلك اللقب حيث قليلون هم من كتب لهم أن تخلّد أسماؤهم أبد الدهر، ولقد كُتب لإبرا أن يكون واحداً منهم، فقد تمت إضافة كلمة “زلاتان” للغة السويدية تكريماً لإبرا الذي يعتبرونه بطلاً قومياً في بلاده، فكلمة زلاتان تعني “الهيمنة” بالسويدية، فحتى اللغات لم تسلم من زلاتان.

قد يهمك أيضاً