ناهد خزام
عنوان غريب
تقام ورشة “مكتب نعيمة ينزف” تحت نفس العنوان خلال أشهر الصيف من كل عام ويشرف عليها الفنان هاني راشد، وهو أحد أهم الفنانين المصريين المعاصرين الذين تتميز أعمالهم بالتجريب في الخامة والتنوع المستمر في مسارات التجربة الإبداعية.
ويعتمد راشد في أعماله عادة على الفوتوغرافيا، إذ يمزج بينها وبين الرسم والتلوين في مزيج متوازن يميز آثاره الفنية، وفي هذه الورشة يقدم راشد تجربته للمشاركين ويعرض عليهم الأساليب المختلفة التي يتبعها في المزج بين الفوتوغرافيا والرسم.
عن سر هذا العنوان الغريب للمعرض والورشة “مكتب نعيمة ينزف” يقول هاني راشد “العنوان يتسق مع طبيعة الورشة التي تعتمد على تقنية الكولاج، أي القص واللصق، وهي تقنية تجمع عادة بين عدد من العناصر الغريبة والمتنافرة في آن، لتخلق منها شيئا جديدا ومختلفا عن الصياغات التقليدية في عمل اللوحة”.
ويضيف التشكيلي المصري “تم صوغ الاسم بهذه الطريقة أيضا، فحين كان يتم التحضير للورشة قبل ثلاث سنوات كنا مشغولين بالبحث عن اسم مناسب، وصادف ونحن في اجتماع داخل إدارة المؤسسة أن انسكب أحد الألوان على صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود للفنانة نعيمة عاكف كان قد وضعها أحدهم فوق أحد المكاتب، فخرج الاسم عفويا من وحي ذلك الحدث، فكان ‘مكتب نعيمة ينزف’ ما مثل عنوانا غير تقليدي لورشة تتبع أساليب غير تقليدية أيضا”.
أيقونات مصرية غير تقليدية
وداخل الورشة التي عقدت على مدار ثلاثة أسابيع كاملة، انهمك المشاركون في العمل على تفاصيل كثيرة وعناصر مختلفة يتم التعامل معها هنا، أوراق بيضاء وملونة، صور فوتوغرافية التقطها بعضهم لوجوه أو لمناظر طبيعية، وصور أخرى تم قصها من مجلات أو صحف أو كتب وروايات مصورة.
وانشغل أحمد ليثي، وهو فنان شاب وأحد المشاركين في هذه الورشة في تلوين الأشكال التي قام بلصقها للتو على سطح الورقة البيضاء، فقد أعد العناصر وجهزها في المرة السابقة وجاء اليوم دور التنفيذ، كما يقول. وشارك ليثي في عدد من الورشات السابقة، كما أقام معرضا مشتركا لأعماله في قاعة “آرت اللوا” في القاهرة قبل أشهر، ويرى ليثي كغيره من المشاركين في الورشة أن العمل الجماعي من هذا النوع مثير للحماسة، فهو يعطي دافعا وطاقة إيجابية، كما أنه يتيح للمشاركين الاستفادة من خبرات بعضهم البعض.
خبرات متعددة
ضمت الورشة أكثر من ثلاثين مشاركا ومشاركة، بعضهم لم يسبق له خوض هذه التجربة من قبل، وكثيرون منهم من حديثي التخرج في الكليات الفنية، كالفنون الجميلة والتربية الفنية والنوعية.
وترى ياسمين حفني إحدى خريجات كلية الفنون الجميلة في القاهرة، وتشارك في هذه الورشة للمرة الثانية خلال عامين، أن ما تقدمه الورشة خلال هذه الأيام القليلة هو أمر بالغ الأهمية، خاصة للفنانين الشباب حديثي التخرج والذين لم يتمرسوا بعد على مثل هذه الأساليب غير التقليدية في إنتاج الأعمال الفنية.
وتقول “خلال مدة الدراسة ينصب الاهتمام عادة على صقل المهارات الأساسية في التخصصات المختلفة، من النحت أو التصوير أو الرسم”.
وترى حفني أن الورش الفنية التي تنظمها “مدرار” وغيرها من المؤسسات المستقلة، والتي يشرف عليها عادة فنانون متمرسون في الفنون المعاصرة لها دور مهم، فهي تتيح للشباب الفنانين توظيف هذه المهارات ودمجها مع أساليب العمل المعاصرة، وفي مناخ يتسم بالحماسة والجدية، وهي بذلك تضع أقدام الفنانين الشباب على أول طريق الممارسة العملية في مجال الفن التشكيلي.
أما الفنان هاني راشد فيرى أن الورشة تقدم للمشارك العديد من الخبرات اللازمة للاستمرار في مجال الممارسة الفنية، فهي لا تقتصر على التدريب على التقنيات والأساليب المختلفة لتلك الممارسة، بل تمتد هذه الخبرات إلى مناح أخرى، فبعد انتهاء الورشة يتم عرض الأعمال في معرض جماعي يحضره العديد من المتخصصين والفنانين والنقاد في مجال الفن التشكيلي، وتتيح فكرة العرض هذه التي يخوضها بعضهم لأول مرة التعرف على آلية العرض وتفاصيل التجهيز.
مزج بين الفوتوغرافيا والرسم
ومن خلال المعرض تتاح الأعمال المعروضة للاقتناء من قبل الجمهور، وبأسعار رمزية لا مبالغة فيها، وهو جانب شديد الأهمية بالنسبة للمشارك في الورشة، يقول راشد “فالفنان هنا يخوض ربما لأول مرة هذه التجربة بنواحيها المتكاملة، من إنتاج العمل ثم عرضه، وبيعه في النهاية، فيخلق ذلك دافعا للكثير من المشاركين للاستمرار، وحافزا للبحث والتجريب في الخامة والأساليب المختلفة”.
وعن الفعاليات الأخرى التي تنظمها مؤسسة “مدرار” خلافا لتلك الورشة، يقول محمد علام مدير المؤسسة “نحن نقدم هنا العديد من الفعاليات خلافا للندوات والورشات الفنية، إذ تنظم ‘مدرار’ مهرجانين سنويين منذ سنوات، أحدهما مهرجان محلي تحت عنوان ‘روزنامة’ وهو متعلق بكافة الممارسات الفنية من رسم وتصوير ونحت وفوتوغرافيا، وتقدم خلاله مجموعة من الجوائز القيمة، من بينها جوائز مالية وإقامات فنية خارج مصر، وهو مهرجان مخصص للشباب تحت سن الـ35 سنة، أما المهرجان الثاني فهو مخصص لأعمال الفيديو، وهو مهرجان دولي مفتوح لكافة الأعمار والفنانين.