عبد الزهره البياتي*
يَبدو أن قدرنا ألا نغادر الفواجع والويلات، ويبدو أن وطناً اسمه العراق كُتب عليه أن يعيش على وقع صدمات لا نستفيق منها إلا على دوي أخرى، وهكذا تستمر النكبات..
غرق العبّارة في نهر دجلة يوم الخميس الماضي (21/3/2019) وهي تنوء فوق طاقتها بأناس جلهم نساء وأطفال، ذنبهم أنهم كانوا فرحين في يوم كهذا بهيج، ولكن من دون أن يدور في خلدهم أن القدر يتربص بهم وأن النهر الخالد الذي ابتلع المئات في فاجعة جسر الأئمة عام (2005) وجثث شهداء سبايكر المغدورين في (حزيران 2014) هو ذاته!!
غرق العبارة أثار كوامن غضب، وهز بقوة مشاعر ليس ذوي الضحايا فقط بل كل العراقيين على امتداد خارطة الوطن، وإن تباينت الرؤى والأفكار، فالكل أجمع على أن ما حصل مأساة تستحق أن تعلن الحكومة بسببها الحداد وأن تجتمع لأجلها الرئاسات الثلاث في قصر السلام!!
الحصيلة الرسمية للضحايا تقول إنهم أكثر من (100)، وثمة مفقودون مازال البحث عنهم جارياً على قدم وساق وبمتابعة من أعلى المستويات.. رئيس الوزراء عادل عبد المهدي كان أول المسؤولين الذين حطوا رحالهم في (ساحة القدر) متفقداً ومستجلياً دقائق ما حصل، ثم تبعه مشكوراً رئيس جمهورية العراق الدكتور برهم صالح الذي تعرض موكبه مع الأسف لرشق بالحجارة من قبل الأهالي الغاضبين في الموصل وكأنهم بفعلهم هذا أرادوا أن يوصلوا رسائل عاجلة بأن الطبقة السياسية عليها أن تدرك أن كل الذي يجري هو نتاج سياسات أدمنت الفساد وحمته، وها هم يدفعون فاتورة الحصاد المر.. محافظ نينوى نوفل العاكوب وبسبب (ابتساماته) غير المحتشمة (شبع طن) رزايل وكان مادة دسمة لـ(الفيسبوكيين).. وما زاد الطين بلة أن موكبه دهس اثنين من الغاضبين بينما كان يحاول الفرار بجلده من المكان!! وأن مجلس المحافظة فشل في إقالته واكتفى بإحالته إلى التحقيق فقط.
القضاء العراقي ممثلاً برئيسه القاضي فائق زيدان دخل على خط الفاجعة بقوة وكانت قراراته تصدر بسرعة البرق عبر مذكرات قبض بحق مالك العبّارة ومالك الجزيرة التي استبدل اسمها مجلس المحافظة من جزيرة أم الربيعين إلى (جزيرة الشهداء) وفاءً لمن لقوا مصارعهم في هذا الحادث الجلل..
لقد أظهر شعبنا مرة أخرى نخوته وشهامته، والكل شاهد كيف يتدافع المسعفون بشرف ورجولة لإنقاذ الغرقى.. وكيف تدخلت مروحيات الجيش العراقي وكيف حضر أكثر من عثمان العبيدي في هذه اللحظة.. لكن أسئلتي الأخيرة هي:
هل ستطوى قضية العبّارة كما سبقتها من قضايا؟
وهل سيسجل الحادث قضاءً وقدراً تحت شعار (عثرنا على المقتول وهرب القاتل)؟
وهل سنحدد الأسباب ونعالج كل مظاهر القصور والخلل التي تودي بحياتنا بشجاعة؟
وهل سنسمع عن استقاله بعض المسؤولين أم أن الاستقالة بالنسبة لهم (عيب)؟!
نتمنى سماع قرارات تعيد للدولة هيبتها وللعراقي كرامته وللأرواح حرمتها.. أليس الصبح بقريب؟!.. وكفى مزايدات ومتاجرة بأرواحنا..