فنون

آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الأدبي .. التماسك النصي من خلال أدوات الربط ( قراءة نصية / إحصائية في رواية «العودة الى لكش» لرسمية محيبس)

داود سلمان الشويلي

 

   في عالمنا المعاصر،عالم القرن الواحد والعشرين، حيث السرعة،والدقة، والاختصار، والاقتصاد، والتكثيف، مطلوب أن يقوم بها الانسان والآلة على السواء، فتميل فيه الكتابة الأدبية الجديدة لهذه المتطلبات في اللغة الناقلة للفكرة الإبداعية، و ليس هذا معناه أن نختصر اللغة الى الحد الذي تخرج كتاباتنا الأدبية، أو أية كتابة أخرى،  من خانة الأدب ونضعها في خانة الكتابة العلمية، التي لا تعتمد اشتراطات الكتابة الابداعية، بل على الكاتب/الأديب أن يضع الابداع نصب عينيه وهو يستخدم اللغة لتنقل أفكاره الإبداعية، والأديب مطالب بذلك. 

***

   وقد تعددت أوجه دراسة النصوص الأدبية، ونقدها، منذ أن وصلنا أول كتاب لمؤلف عربي–على الصعيد العربي- عن الشعر والشعراء حتى يومنا هذا. وقد كان النقاد العرب الأوائل قد اعتمدوا نظريات (!) لدراسة النص الأدبي، ونقده، منها نظرية الموازنة، ونظرية النظم، ونظرية اللفظ والمعنى، حتى وصلنا الى القرن العشرين، حيث كتب المبدعون العرب رواياتهم وقصصهم القصيرة التي حاولت أن تتبع النهج والاسلوب الغربي في الكتابة، فكانت النظريات النقدية للعرب الأوائل، وكذلك الدراسات النقدية التي تناولت النصوص الأدبية منذ بداية القرن العشرين الى فترة السبعينيات، تعتمد في نظرتها الى النص على الذوق، والتقييم، والتقويم.

   وعندما جاءت السبعينيات في العراق جاءت معها النظريات الحديثة لدراسة النص من خلال الدراسات والكتب المترجمة التي قام بها الأشقاء المصريين واللبنانين والمغاربة، فعرفنا كيف نتناول وندرس النص من الناحية الماركسية، وكذلك من الناحية الوجودية، وبعدها جاءت الشكلانية، مع العلم أنها ولدت قبل هذه الفترة بأكثر من خمسين عاماً في الاتحاد السوفيتي. ثم جاءت النظريات البنيوية، والدلالية، و اللسانية، ثم ما بعد البنيوية…الخ.

   بعد هذه المقدمة البسيطة التي أردنا منها أن تدخلنا في صلب ما نريد تقديمه، وهو، دراسة النص الروائي لمعرفة تماسكه من خلال دراسة لسانية له تعتمد مفهوم الإتّساق النصي. علينا أن ندرس الإتّساق، و نحدد أدواته، ومعرفة كيف برزت عوامله. إذ أن الاتّساق هو من بين المعايير التي يجعل النص نصاً متماسكاٍ.

***

الإتّساق بالربط :

   إنّ مفهوم»الاتّساق»كما عند محمد خطابي يقصد به:((التماسك الشّديد بين لأجزاء المشكّلة لنص أو خطاب ما،ويهتمّ فيه بالوسائل اللغوية»الشكلية»،التي تصل بين العناصر،المكونة لجزء من خطاب،أو لخطاب برمّته.)).(محمد خطابي-لسانيات النص،مدخل إلى انسجام الخطاب- المركز الثقافي العربي، بيروت،1991- ص5)

   يعتمد النص–أي نص، المدون والشفاهي-على عناصر لغوية – شكلية-هي أدوات وصل و ربط. إذ لا يقوم النص دون هذه الأدوات، ولما كان كذلك، فإن الربط یعد علاقة إتساق أساسیة في النص. فهو يربط الجملة السابقة مع الجملة اللاحقة بشكل منظم، وله دلالة، ويعطي معنى. 

   إذ أن تقنية الربط والوصل يعتبر:((من أهم التقنيات التي تؤكِّد اتِّساق الخطاب من عدمه، وفي الدراسات البلاغية هو الوصل بين الجمل أو عطف بعضها على بعض. )).(أحمد مطلوب، معجم المصطلحات البلاغية – 1 /354).

   فالربط والوصل في هذه الحالة علاقة اتّساق ضروریة في النص، ليظل متماسكاً. 

   وقد قسم الباحثون والدارسون الربط إلى أربعة عناصر من حيث وظيفتها، هي: ربط إضافي، ربط عكسي، وربط سببي ، وربط زماني.

*الربط الإضافي، يحدث بأداتین، هما «الواو» و»أو». إذ يقوم بربط صورتین بینهما تشابه أو اتحاد.

*الربط العكسي، يحدث بأدوات، هي:»لكن»،»رغم ذلك=على الرغم»،»بل»،»غیر أن».

*الربط السببي، فیمكننا أن نعرف العلاقة المنطقیة بین جملتین أو أكثرمن خلال  الأداوت التي هي: «هكذا»و»لعل»و»أي»،و»إذن».

*فيما الربط الزمني، يتم بین جملتین متباعدتین أو متتابعتین زمنیاً، وتتم بالأدوات: «ثم»و»بعد»و»منذ»و»على نحو»و»الفاء».

   وقد تناولنا في دراسة رواية» العودة الى لكش «، لرسمية محيبس، الأدوات أعلاه، تناولاً تطبيقياً لقياس مساهمتها في تحقيق الإتّساق النصي الذي يمنح النص الروائي مشروعيته النصية.

   هذه الأدوات، لا تربط الجمل فيما بينها ربطاً وحيداً فحسب، بل هي تربط الأفكار والرؤى والصور، لكي يكون النص كاملاً و متماسكاً، وخالي من الفجوات الإبداعية، ويصل حد معرفة الدلالات من خلال استعمال مفهوم الإنسجام أيضاً.

***

العيّنة»الفصل الخامس»:

   درسنا الفصل الخامس الذي يقع بـعشر صفحات، والذي يبدأ من عبارة: ((بعد عودتي الى الوطن قررت أن اسكن في بيت أهلي القديم رغم انه مهجور ولا يصلح للسكن. ذلك البيت الكبير الموحش الذي يفوح برائحة الماضي وتنهمر الذكريات من جوانبه .)). ص81 . وينتهي بـعبارة: ((فقد حاول أن يقنعه بما  طرحه من أفكار لكن اعجابه بالرجل زاده شغفا بوداد ود لو رآها وتبادل معها الحديث يحتاج الى احد يفهمه ولم يجد في عائلته من يلتجئ اليه ويكون  معه فقد تحطمت صورة العائلة بموت الأبوين)).ص90 

جدول المجموع الكلي للأدوات المستخدمة في العيّنة، وعددها، ونوعها:

الاداة التكرار نوعها

و 161 الوصل الاضافي

أو 7 الوصل الاضافي

أي 2 الوصل السببي

بل 3 الوصل العكسي

بعد 10 الوصل الزمني

الفاء 12 الوصل السببي

حتى 9 الوصل الاضافي

لكن 20 الوصل العكسي

هكذا 1 الوصل السببي

ثم 1 الوصل الزمني

أم 2 الوصل الاضافي

لعل 2 الوصل السببي

اذن 0 =    =

منذ 0 الربط الزمني

رغم ذلك 0 الربط العكسي

غير ان 0 =         =

على نحو 0 الربط الزمني

***

نتائج الدراسة :

   ان العيّنة المختارة بصورة إعتباطية قد بيّنت للدارس مدى بلاغة النص الروائي في رواية «العودة الى لكش». إذ إعتمدت الشاعرة والروائية رسمية محيبس على إيجاز الرواية البلاغي، وكان كل ذلك تحمّلته لغة الرواية، من خلال استعمال أدوات الربط والوصل بين الجمل، أو داخلها.

   يستطيع أي كاتب روائي أن يستخدم كل أدوات الربط والوصل أثناء الكتابة دون أن يرف له جفن من أن يعيب عليه النقاد والدارسون عمله هذا، ولكنهم سيعيبون عليه لو أنه لم يأخذ بنظر الاعتبار التوتر الذي يبدو فيه عمله الروائي، من حيث سرعة أو بطء النص، خاصة ونحن نعيش أجواء القرن الواحد والعشرين السريعة، والدقيقة، كأكلة السندويج في وقت الغداء.

   وكذلك، وهو المهم في دراستنا هذه، فقد استخدمت الكاتبة أداة الربط»الواو»، بنوعيها الشكلي والمعنوي، فيما قللت من باقي ألأدوات لمعرفتها التامة بأن»الواو» – بإرادتها أو عدمها – لها مفعول قوي في الربط. فيكون عند ذاك نصها متماسكاً، وفي الوقت نفسه مكثفاً، وموجزاً بلاغياً.

   فيما تركت في مواضع كثيرة وضع أداة الربط، إما بصورة عامدة خشية التكرار الممل، أو بدونها، وهذا الإستغناء عنها هو من صلب بلاغة النص، مع العلم أن هجرها لا يخل ببناء ودلالات النص فيما لو كان هذا الهجر جاء بصورة بلاغية متمكنة وغير قسرية. وإن كل جملة غير مربوطة بأداة ربط نجد فيها ضميراً يعود الى شخصية الرواية. وهكذا تجسد الاتّساق بالترابط الحاصل.

   لقد بيّنت لنا الخلاصة نتائج مادية ملموسة في استخدام اللغة، إذ فرّغتها – الى حد ما – من كل أدوات الربط إلّا في بعض المواقع القليلة. ولو كانت دراستنا هذه لا تخشى الاطالة، و دَرَسَت الإنسجام الذي يهتم بالدلالة، لأمكننا أن نعرف أين بدت الرواية مسرعة، و متى بدت بطيئة، وهل ذاك جاء لمقتضيات بلاغة الرواية، أم أنه جاء دون وعي وإدراك من الكاتبة؟

   ان النتائج المتحصلة من استخدام أدوات الربط والوصل في العيّنة التي اختارتها الدراسة، هي: 

– استخدمت الكاتبة أداة الربط «الواو» أكثر من الأدوات الاخرى،إذ استعملتها «161» مرة. وهذا يشمل ربط الأشياء، والأسماء، والافعال، والأفكار…الخ.

– جاءت الأداة «لكن» في الترتيب الثاني، إذ تكررت عشرين مرة. بعدها تكررت الأداة «الفاء» اثنتي عشرة مرة. ثم «بعد» عشر مرات.والأداة «حتى» تسع مرات. 

– تساوى استخدام الأدوات «أي»و»أم» و» لعل». وكذلك»هكذا»و»ثم» فيما بينها.

– وقد جاءت «الفاء» التي تفيد الترتيب، أي ربطت السبب بالنتيجة،»12» مرة.

–  أما «أو» فقد استخدمت سبع مرات، وهي تفيد التأرجح بين فعلين. 

– وتكررت الأداة «بل» ثلاث مرات.

– ان مجموع الربط الاضافي هو «179». والربط العكسي «23». والربط السببي «17». والربط الزمني»11».

   وقد ساعدت هذه الروابط في تماسك النص، ومنحته ميزة بلاغية، لأن من مميزات اللغة العربية التكثيف، والايجاز، والاقتصاد، في استخدامها للأدوات، مهما كان نوعها.

***

– فصل من كتابي(آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الأدبي – التماسك النصي من خلال أدوات الربط –  قراءات نصية / إحصائية).

قد يهمك أيضاً