الإفتتاحية

كميت قصيدة الجنوب.. وعاصمة البو دراج !!

فالح حسون الدراجي

مدينة كميت.. مدينة خرافية بمعنى الجمال.. وبمقاسات الطبيعة الجنوبيةً.. ومدينة أسطورية بعمق الحب والشعر، فهذه المدينة البسيطة ببساطة الخبز.. والطيبة كطيبة الأمهات.. والجميلة حد الدهشة.. لا يقدر على وصفها غير الشعراء.. أما لماذا الشعراء فقط؟ فالجواب لا يكمن في أن اسمها قد ولد من إسم شاعر فحسب، ولا لأن أحد أبنائها شاعر هو من أروع شعراء العراق. وأقصد به الشاعر عيسى الياسري.. إنما لأن أهل هذه المدينة الجنوبية المترعة بالماء والخضراء والوجه الحسن، كلهم شعراء بالفطرة.. والدهشة والجمال.. وشعراء بالتلقي والتفاعل والانصات.. وشعراء بالنظم والنطق والكتابة.. وشعراء بالمحبة الصافية.. وللحق فإن الكميتيين ليسوا وحدهم الشعراء، بل أن (شطهم) شاعر أيضاً، يقول الشعر مثلهم، وكذلك نخلتهم وزهرهم وطقسهم وسوقهم وتأريخهم وحاضرهم ومستقبلهم. هل رأيتم من قبل مدينة تتنفس الشعر والعطر والضوء مثل كميت..؟

لذلك صرتُ شاعراً ـ أنا المولود في كميت الشعر منذ قرون ـ منذ أن ولد قبلي في حضن هذه المدينة المباركة سبعة أجداد لأبي، وسبعة أجداد لأمي!! ولا عجب أن يسمِّي أحد الرسامين العراقيين كميت بقصيدة الجنوب.

كميت مهدي، وتاج رأسي، وينبوع إلهامي، ونهر موهبتي .. ومصدر فخري..

فمن هذه المدينة انطلق من قبل الشهيد عبدالكريم كاظم الى معسكر الرشيد ليشارك الشهيد البطل حسن السريح إنتفاضته الثورية المسلحة ضد أوباش البعث في الثالث من تموز عام 1963.. ليمضي سعيداً في درب الشهادة. ومن هذه المدينة إنطلق أيضاً شقيقي الشهيد المناضل الوطني خيون حسون الدراجي ليرتقي مشنقة الأبطال، ويصعد الى جوار ربه.. ومن هذه المدينة مضى كذلك الشهيد أحمد شعلان مطشر نحو سماوات المجد والألق والانتشار!

إن هذه المدينة التي تركتها وأنا في الصف الرابع الابتدائي وهي تسبح في شط الأحزان دون أن يكون لها جسر واحد للفرح، أو استوديو للتصوير.. حيث كنا سابقاً نسافر الى مدينة العمارة لنلتقط الصور الرسمية، والتذكارية لدى المصورة العمارية المعروفة سميرة مزعل.. وكميت التي غادرتها صبياً لم تكن فيها قطعاً أية متوسطة أو ثانوية.. ولا فيها شارع معبد واحد.. أو سوق صالح للحياة. وحين نشبت حروب صدام، ودمرت المدن العراقية كان لكميت الخراب الاكبر.. وظلت كميت تقاوم العذاب والخراب والاهمال حتى سقط صدام، وغادرها الحكام الغرباء.. ليتسلم زمامها اولادها الأوفياء، ويقومون ببنائها طابوقة طابوقة ويزرعون أرضها نخلة نخلة، ويعمرون مبانيها ومؤسساتها بأيديهم الامينة.. فتصبح كميت اليوم واحة خضراء.. تشم العطور من كل أطرافها.. وتتكحل العيون بكل زواياها.. آه لقد باتت كميت اليوم أجمل وأحلى وأبهى وأصغر سناً.. إنها اليوم حديقة كبيرة.. وسماء مرصعة بالزرقة والنجوم.. وشوارع معبدة ومضاءة، وطرق مزروعة بالأمن والورد.. ولعل الاجمل من كل هذا أن (حكومة) كميت اليوم خالية من فايروس الفساد والرشوة.. فهل تصدقون مثلاً لو قلت لكم بأن المواطن الكميتي يستطيع ان يحصل على هوية الاحوال المدنية بخمس عشرة دقيقة فقط.. وبتكاليف لا تزيد عن الالف دينار عراقي ـ يعني أقل من دولار واحد ـ ؟! ولايدهن سير أي موظف أو شرطي.. وهذا لعمري لا يحصل ولن يحصل في أية مدينة عراقية بعد الف عام!!

فكميت اليوم لم تعد قصيدة الجنوب كما وصفها الفنان شوكت الربيعي من قبل فحسب، ولا هي عاصمة البو دراج، حيث ينتشر فيها الدراجيون النجباء كما تنتشر العصافير في بساتين كميت فقط، إنما هي اليوم مدينة تستحق الفخر . فهي مدينة النزاهة الأولى في العراق.. وواحة الجمال الأولى في الجنوب.. فتحية لمدير ناحيتها جاسم محمد الحسن. وتحية لأبطال دائرة احوال وجنسية كميت، وأولهم رئيس الدائرة اسامة صدام عليوي: وباقة ورد لمنتسبيها احمد فالح عبدالسادة، ورحيم چخيور حسون، وحسن شنون نشمي، وحسنين عبدالستار.. وتحية منيرة لدائرة كهرباء كميت، خصوصاً رئيسها تحسين فالح عبدالسادة، ومعاونه عبدالسادة عطية غريب، وكافة منتسبيها..

وتحيات بعدد الزهور المزروعة على أرصفة وطرق المدينة لمدير بلدية كميت ولجميع منتسبيها.. والف شكر لمن بنى وعمَر، وشيَد الجسور، ولمن أوصل الماء الصافي للبيوت، وألف شكر لمن ملأ الأسواق بالبضائع الفاخرة.. وملأ القلوب بالأمل والحياة.. والرجاء..

وألف شكر للقدر الذي أسقط رأس جدي قبل قرون في أرض هذه المدينة الطيبة.. وأسقط قلبي في أعشاش هذا البستان الجميل.

قد يهمك أيضاً