الأولى

لمحات من تاريخ حركة أنصار الحزب الشيوعي العراقي

سمير طبلة

 

 

إثر الجرائم البشعة، التي ارتكبها انقلابيو 8 شباط 1963 الأسود، ضد أبناء وبنات الشعب العراقي، بادر أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي الى الالتحاق بحركة التحرّر الكردية في جبال كردستان، وحملوا السلاح تصدياً للنهج الفاشي للسلطة، معتمدين على امكانياتهم الذاتية بالتعاون مع “بيشمه ركَه” الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وسجّل أولئك الرواد ملاحم من البطولة والتصدي، اثناء قتالهم في صفوف الحركة الكردية، ضد اعتداءات السلطات الدكتاتورية المتعاقبة على حكم العراق. ووثقت معركة جبل هندرين في عام 1966 صفحة مشرفة للأنصار الشيوعيين، مما أهّلهم لشغل مراكز هامة في حركة التحرّر الكردية.

ارتبط تواجد الأنصار الشيوعيين في جبال كردستان العراق، أساساً، بالقرارات السياسية للحزب الشيوعي العراقي، انطلاقاً من الايمان المبدئي للحزب بالحقوق العادلة لشعب كردستان، ولتوفير تلك الجبال الشماء ملجاً آمناً للعديد من كوادر الحزب وأعضائه. فالحزب كان من أوائل من طالب بالحقوق المشروعة العادلة للشعب الكردي، انطلاقا من مبدأ حق الشعوب بتقرير مصيرها، وكان المبادر لرفع شعار “السلم في كردستان” في عام 1961، إثر انفجار العنف آنذاك. وقبلها طالب بالحكم الذاتي لكردستان في كونفرنسه الثاني عام 1956، وكان أيضاً أول قوة سياسية عراقية تطرح في عام 1989، فكرة الفيديرالية لكردستان العراق.

ومع اشتداد حملة السلطة الدكتاتورية المقبورة، في عام 1978، ضد الحزب الشيوعي وكوادره وأعضائه ومؤازريه، بادرت أعداد غير قليلة منهم للالتحاق، بشكل فردي وجماعي، بقواعد بيشمه ركَه الحركة التحررية الكردستانية. وعملت على تشكيل نواتات لحركة أنصار الحزب، ابتدأت في تموز من العام نفسه في نوزنك، وهي قرية في أقصى شرق السليمانية، على الحدود العراقية – الايرانية.

وسرعان ما التحق بالحركة، المئات من الشيوعيين وأصدقائهم، ومن كل بقاع الوطن، ومن خارجه أيضاً. وتحدّوا الصعوبات الجمّة، ناشرين قواعدهم في كل ربوع كردستان. فتأسّست قواعد حلبجة وبهدينان وهركي وكَوسته عام 1979، وارتبط ذلك بتحول الحزب الشيوعي الى معارضة النظام البعثي المقبور، بعد تنصل الاخير من ميثاق الجبهة الوطنية، الذي وقّع في 16 تموز 1973، وشنّه الحملة الفاشية لتصفية الحزب الشيوعي منذ عام 1977، وربما أبكر حسب الوثائق المكتشفة بعد انهيار النظام.

ورفع قرار لجنة الحزب المركزية، وبتأثير ضغط قاعدته، بتبني الكفاح المسلح في عام 1980، حماسة آلاف الشيوعيين وأصدقائهم للالتحاق في كردستان.

ولم تخلُ بقعة في كردستان من تواجد الأنصار الشيوعيين، بل ومشاركتهم الفعالة في عمليات عسكرية نوعية امتدت من جنوب خانقين، مروراً بكَرميان فالسليمانية وأربيل والعمادية ودهوك وزاخو في أقصى شمال الوطن.

خاض الأنصار الشيوعيون، منفردين او متعاونين مع بيشمه ركَه القوى الكردستانية الأخرى، المئات من المعارك البطولية. وتصدّوا بشجاعة مشهودة لاعتداءات قوات السلطة الغاشمة على القرى الكردستانية، وأنزلوا القصاص العادل بالعديد من مجرمي ذلك النظام، ممن أوغلوا بدماء الشعب العراقي. اضافة لحملات التوعية السياسية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والمشورة لسكان المناطق، التي كانوا يتجولون بها. فيما احتضن الأهالي أنصارهم وأكرموهم وكانوا عوناً لهم في التصدي للمعتدين. فشهدت الحركة، التحاق المئات من ابناء المنطقة.

لتتحول الحركة، في ثمانينيات القرن الماضي، الى قوة أعادت مكانة الحزب، ليس فقط عند أصدقائه وأشقائه، بل أيضاً لدى الاحزاب والقوى المعارضة الأخرى، التي تعاملت مع الحزب، الى حد بعيد، من خلال تلمس قوة حركته الأنصارية المسلحة. كما عزّزت هيبة الحزب لدى جماهير الشعب، ورفعت من معنويات رفاقه وجماهيره وبدّدت مشاعر خيبة الأمل والاحباط ومخاطرهما.

وقدّم مئات الأنصار والنصيرات الأبطال، وهم من خيرة أبناء وبنات الشعب العراقي، بكل تلاوينه: أثنية ودينية وطائفية ومناطقية، حياتهم الغالية، غير هيّابين، فداءً لما عاهدوا أنفسهم وشعبهم عليه، في الدفاع عن مصالح العراق وأهله، ضد الدكتاتورية وكل من يعادي مطامحه المشروعة، وتحقيقاً لهدفهم السامي في “وطن حر وشعب سعيد”.

ولم يتوانَ أنصار الحزب الشيوعي في دعم انتفاضات شعب كردستان ضد الحكم الشوفيني، بل كانوا، أحياناً، المبادرين لتلك الانتفاضات المجيدة، كما حصل في الاعوام 1982 و1984 و1987 وغيرها.

وكانت قواعدهم نقاط انطلاق للعديد من المناضلين والمناضلات الى عمق الوطن، إسهاماً في مقارعة جرائم المقبور صدام وطغمته، وكانت ملجأ آمناً لجنود ومراتب في الجيش العراقي، ممن رفضوا حروب النظام العبثية. اضافة لكونها مراكز خدمات هامة لأهالي القرى المحيطة بهم، خصوصاً بالجانب الطبي المشهود، عدا الحماية، وقيامهم بالعديد من النشاطات الثقافية والفنية والرياضية، لتنوع اختصاصات الانصار. إذ كان بينهم العامل والفلاح والطبيب والمهندس والمحامي والمعلم والعسكري والرياضي والاعلامي والكاتب والفنان والطالب، مشكلين نماذج لجميع شرائح المجتمع العراق.

وشهدت الحركة الأنصارية تواجداً متميزاً للمرأة العراقية المقاتلة، ممثلة بالنصيرة الشيوعية، التي كانت بواكير مشاركتها في الحركة منذ عام 1963. وساهمت النصيرة بالعديد من المعارك البطولية، ومنها معركة بامرني في عام 1982. واستشهد العديد منهن، إبان تصديهن البطولي لأزلام النظام المقبور. وبلغ عدّد النصيرات الشيوعيات المشاركات في الحركة اكثر من مائة مقاتلة، من كل القوميات والأديان والطوائف العراقية. وسجّلن بذلك مكانة مرموقة للمرأة العراقية الباسلة.

وإثر جرائم الضربات الكيماوية المتلاحقة، التي اقترفها النظام المنهار، عامي 1987 و1988 تقلص تواجد الأنصار الشيوعيين ونشاطهم، خصوصاً بعد قصف المئات من القرى الكردستانية وافراغها من سكانها، باجبارهم على النزوح الى خارج الأراضي العراقية، هرباً من الموت المحقّق، مما اضطر عدداً من الأنصار الى النزوح خارج الوطن. فحاضنتهم الأساسية في نضالهم المشرف كانت جماهير المناطق، التي تواجدوا فيها، استناداً لحقيقة دفاعهم المستميت عن مصالح كل الشعب العراقي، خصوصاً الطبقات والفئات الكادحة منه.

إلا ان دور الأنصار الشيوعيين سرعان ما عاد بارزاً بمشاركتهم فصائل بيشمه ركَه القوى الكردستانية، في تحرير أراضي كردستان العراق من رجس النظام المنهار إبان انتفاضة ربيع 1991 الشجاعة، بل ووصلوا الى مشارف محافظة ديالى. وبرز في هذا الجانب الدور القيادي للجبهة الكردستانية، التي تأسست في عام 1988 من جميع القوى السياسية الكردستانية، إضافة الى الحزب الشيوعي العراقي، عبر منظمة إقليم كردستان، قبل تشكيل الحزب الشيوعي الكردستاني – العراق في عام 1993، والتي وقع ميثاقها في مقر الحزب الشيوعي في خواكورك، في الأراضي العراقية قرب المثلث العراقي – التركي – الايراني. ومما له دلالة كبيرة، اليوم، ان تلك الجبهة الكردستانية اختارت أول منسق لنشاطها الفقيد الدكتور رحيم عجينة، عضو اللجنة المركزية للحزب، حينها، وهو العربي القومية.

ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي بذلت مساعٍ غير قليلة لتنسيق جهود الأنصار الشيوعيين العراقيين القدامى، الذين اُضطر أغلبهم الى اللجوء في عدة قارات من العالم. وتكلّلت تلك المساعي بالنجاح، لتنبثق رابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين اثناء عقد مؤتمرها الأول في آب 2004، في جنوب السويد، لتساهم في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية فدرالية موحدة ولتدافع عن مصالح اعضائها، وتتواصل مع نضالهم المشرف بالدفاع عن مصالح الوطن والشعب. لحقه 6 مؤتمرات، عُقد أربعة منها في أربيل، وواحد في بغداد، وآخر في السويد. فيما اقامت الرابطة ثلاثة مهرجانات ثقافية – فنية، اثنان منها في أربيل وآخر في بغداد.

وأتخذ المؤتمر السابع والأخير، الذي حضره اكثر من 120 نصيراً ونصيرة، قرارات عدة، كان من أهمها اعتبار المهمة الأساسية اللاحقة، المطروحة امام الرابطة وجميع أنصارها، دعم واسناد مرشحي قوائم التيار المدني الديمقراطي في الانتخابات النيابية القادمة، والمطالبة باعتبار نضالات الأنصار الشيوعيين العراقيين، جزءاً من نضالات شعبنا ضد الدكتاتورية، واعتبار شهداء الحركة شهداءَ للوطن والشعب، ومواصلة البحث عن قبور الشهداء المفقودة، ونقل رفاتهم الى مقبرة الحزب في أربيل او تسليمها الى أقاربهم، وبناء نصب رمزي في مقبرة شهداء الحزب، تُكتب فيه أسماء جميع شهداء الحركة الأنصارية المجهولة أماكن قبورهم الزكيّة.

وللرابطة، اليوم، غرفة محادثة على برنامج بالتوك الانترنيت، باسم “ينابيع العراق”، بدأت منذ عام 2005، ويحضرها العشرات، من الوطن وكل بقاع العالم، مساء كل يوم. وتشهد مناقشاتها حواراً ديمقراطياً حضارياً، يطرح فيه الرأي والرأي الآخر، وهدفه الأول الدفاع عن مصالح الشعب العراقي، بكل أطيافه، إضافة لتقديمها عشرات الأماسي السياسية والثقافية والفنية والأدبية لأسماء لامعة من خيرة مبدعي العراق. فيما بدأت منذ عام 2007 صفحتها الالكترونية على الانترنيت بالاسم نفسه. واشترك في فيسبوك “الأنصار”، منذ تأسيسه ربيع العام الماضي اكثر من ألفي عضو.

وإذ تؤرق الكارثة الحالية، التي يمر بها العراق وشعبه الأبي، قدامى الأنصار الشيوعيين العراقيين، فهم يواصلون نضالهم، وكل من موقعه، سوية مع القوى السياسية المخلصة، من أجل تحقيق مطامح الشعب في عراق حر آمن ديمقراطي فيديرالي موحد، تُعلى فيه قيم الانسان وتُحترم حياته وكرامته، وتطبق العدالة والقانون، وتتحقق فيه المطامح العادلة لكل أطيافه السياسية والقومية والدينية. ولهذا الهدف النبيل ينبغي ان تتوحد جهود كل المخلصين، ممن يضعون مصلحة العراق وكل شعبه فوق أي اعتبار آخر.

 

قد يهمك أيضاً