عدنان الفضلي
كلنا يعلم أن حياة الشاعر سيرجي يسنين لم تكن حياة طبيعية ، فهو ومنذ ولادته عاش في كنف العائلة الفقيرة والقرية والطبيعة الروسية ، وكانت مراحل حياته محصورة بين ثورتين روسيتين جلبت الويل والثبور لشعب روسيا والشعوب المجاورة ، لذا فقد امتلكت مخيلته صوراً متنوعة وظفها بلغة اهل البلاد الى قصائد ترتسم فيها الطبيعة المدمرة وهموم الانسان الروسي ، فقد كان يسنين لسان حال الفقراء والكادحين من ابناء جلدته ، ولكونه من مواليد قرية ” قسطنطينوفو” في مقاطعة ريازان احدى مقاطعات الاتحاد الروسي سابقاً، في الثالث من شهر أكتوبر 1895 فقد قضى سنوات طفولته متأملاً طبيعة قريته الجميلة ، وحين كبر وعاش الثورات استطاع تحديد الخراب الذي اصاب تلك الطبيعة ولمح مدى تاثير ذلك على الشعب الروسي ، لذلك وظف قصائده لتكون قريبة من الفقراء ، تحاكي همهم اليومي ، الامر الذي دعا النقاد آنذاك الى وضعه في خانة ” الشعراء الشعبيين ” وهو اللقب الذي لم يؤثر في شعريته وشاعريته ، بل سطع نجمه اكثر وصار يقارن بكبار ادباء روسيا آنذاك امثال ” الكسندر بلوك وفلاديمير ماياكوفسكي، والكسندر تفاردوفسكي، وآنا اخماتوفا، ومارينا تسفيتايفا ، ومع انه عاش حياة قصيرة جدا مفعمة بالأحداث المهمة والخطيرة الا انه تميز عن جميع هؤلاء الشعراء الكبار ببساطته، فهو ابن العائلة الفقيرة والقرية والطبيعة الروسية في حين انحدر اغلب الشعراء الذين عاصروه تقريبا من أسر مثقفة وعاشوا حياة العاصمة بصالوناتها الأدبية الصاخبة وقد كان يسينين أقربهم إلى الشعب الروسي كسلفه الشاعر الروسي العظيم الكسندر بوشكين حيث حفظ وردد الجميع قصائده وأشعاره الجميلة المشوبة بحزن روسي عميق ، وقد انتشر صيت هذا الشاعر في العالم كله وترجمت أشعاره إلى أكثر من 32 لغة عالمية، وصدرت دواوينه في أوروبا والولايات المتحدة والعديد من بلدان العالم الأخرى كما ترجمت قصائد يسينين إلى اللغة العربية، وقرأه وأحبه المثقفون العرب وترك أثرا واضحا في الشعر الروسي والعالمي وعلى الرغم من رحيله المبكر الا انه استطاع ان يبقى راسخاً في ذاكرة المتلقي الروسي ويحظى بمكانة كبيرة وخاصة في روسيا المعاصرة حيث تنتشر نصبه في العديد من المدن الروسية ، بل ان قريته ” قسطنطينوفو ” التي ولد فيها تقيم له في أوائل شهر أكتوبر من كل عام مهرجانا للشعر يشارك فيه الكثير من المثقفين الروس. وقد استحدثت في روسيا جائزة أدبية تحمل اسم الشاعر سيرغي يسينين. ومازال العديد من النقاد الأدبيين في روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة يخوضون في التفاصيل والجوانب الغامضة من حياة وإبداع سيرغي يسينين. ومن ابرز قصائده قصيدة ” تحت غطاء من نبيذ ماتت ” والتي جاء فيها ” كآخر ذئب في ليلة سيبيرية / كانت تخطو / تحت رذاذ المطر / مصفّرة أغنية ما / وقد بدت مخمورة / من تقطع أنفاسها / وحركاتها المترنحة / توقفت عن الصفير / تمتمت بملء الصوت / ما يشبه قصيدة لبوشكين / إيقاعية الجرس / موزونة القافية / ثم قهقهت: أريد رجلاً ” .