عدنان الفضلي
لم تكن المقاهي البغدادية القديمة التي يلتقي فيها المثقفون العراقيون مجرد أمكنة يقضون بها أوقات فراغهم أو للعب بعض الألعاب الشعبية مثل الدومينو والطاولي، بل هي أمكنة ثقافية بحتة شهدت ووثقت النتاجات الإبداعية لأجيال عديدة من الأدباء والفنانين والصحفيين، حيث أن الأدباء في سنوات ما قبل 2003 وما بعدها كانوا يعتبرونها منصات إبداعية يطلقون من خلالها نصوصهم وآراءهم الأدبية، عبر حوارات مستفيضة.
وبالنسبة لي قبل انتقالي الى العاصمة بغداد، كنت أزور بعض تلك المقاهي مثل مقهى حسن عجمي ومقهى أم كلثوم قرب شارع المتنبي ومقهى أبو ناطق في الصالحية، حيث كنت أجيء من مدينة الناصرية بين الحين والآخر من أجل لقاء الأصدقاء والتعرف الى آخر ما يشهده الوسط الأدبي، كما كنت أستمتع بالمشاركة في النقاشات مع من سبقوني في هذا الوسط.
المقاهي التراثية والثقافية منحتني الكثير، ومن خلال حواراتها تطوّرت ونمت تجربتي الشعرية والصحفية، فأنا بطبيعتي مستمع جيد، وأحرص على أن أستفيد من تجارب الآخرين، وكنت أجد ذلك في المقاهي تحديداً، حيث ما زلت وبعد انتقالي للسكن في بغداد عام 2006 أحرص على التواجد في المقاهي وخصوصاً مقهى الشابندر الذي صار هو الملتقى الأهم للأدباء .
اليوم أرى أن دور تلك المقاهي في التنمية الثقافية قد انحسر كثيراً، وصار كثير من المثقفين يعزفون عم التواجد فيها لأسباب عديدة، منها وجود بدائل ممثلة بـ (الكافيهات) التي انتشرت في مناطق بغداد وبقية مدن العراق، مثل (رضا علوان) و (قهوة وكتاب) و (أطراس) وغيرهنّ الكثير، والسبب الثاني أن كثيراً من الطارئين على الوسط الأدبي والثقافي والفني قد صاروا يتسيدون تلك الأماكن ويقدمون أنفسهم بكل صلافة ووقاحة على أنهم من يقودون الحراك الثقافي في العراق، وهو الأمر الذي أفقد تلك الأماكن مصداقيتها وتأثيرها الثقافي الفعلي والحقيقي.