فالح حسون الدراجي
لا شك أن تقاليد عاشوراء، وطقوس أيام واقعة الطف مقدسة.. حيث نتبارى على ممارستها مُذ كنا صغاراً دون استثناء، سواء كنا علمانيين أو إسلاميين.. شيعة أو سنة.. إذ كان شهر محرم لدى الجميع شهر الوجع والسواد والفجيعة الحسينية..
وبقي محرم هكذا رغم سقوط الأنظمة، وتداعي التواريخ، وانهيار الامبراطوريات، واحتراق العهود. فمحرم مرتبط بحرية الشعوب.. ومرتبط بدم الحسين الذي نذره أبو عبد الله لهذه الحرية.. فأي زمن أو جلاد أو قوة غاشمة تسقط طقساً يخلد الحرية، ويقدِّس الدم الذي سفح من اجل هذه الحرية؟
نعم هو كذلك، فقد عشنا تجربة حكم صدام الذي حاول جاهداً منعنا عن ممارسة طقوس عاشوراء مستخدماً من أجل ذلك كل اشكال الابادة والقهر، فكانت المحصلة أن أنتهى صدام الى مزبلة التاريخ وبقي محرم بتقاليده شامخاً رغم أنف الطغاة، والحاقدين.. لقد بقي محرم ثابتاً في قلوبنا، وخالداً في ضمائرنا، لأننا نريد له الثبات والخلود. وكم حاول الإرهابيون والوهابيون والتكفيريون والبعثيون إرهابنا وتخويفنا من أجل أن يتوقف هذا المد الحسيني، أو أن يهتز لدينا هذا العشق الكربلائي، لكن محاولاتهم، ومفخخاتهم، وكواتمهم لم تفلح في سعيها قيد أنملة..
إلاَّ أن ما يحصل اليوم في شوارع بغداد من إزدحامات مريرة، وإختناقات فظيعة – ترمي الأجهزة العسكرية أسبابها على محرم – جعلت المواطنين في بغداد وبقية المحافظات العراقية يكفرون بالحياة.. بل ويكفرون حتى بالوطن والوطنية. بدليل أن الملايين منهم باتوا اليوم يسعون جاهدين للحصول على أية فيزة، أو تأشيرة أو منفذ للهرب من العراق، حتى لو كان الهروب الى الصومال !! والمؤلم أن بعض العراقيين قد عرض بيته للبيع كي يدفع تكاليف هذا الهروب المفجع.. والمؤلم أكثر، أن السيطرات العسكرية التي هي سبب كل هذه الإزدحامات، لم تستطع إيقاف عمليات التفجير والقتل اليومي رغم (سيطرتها) على حركة السير عبر تجميد آلاف السيارات أمام وخلف كل سيطرة عسكرية. ولعل دولتكم تسألني فتقول: وما العلاقة بين شهر محرم وهذه الاختناقات.. وهل أن هذه الإزدحامات لم تكن موجودة قبل محرم؟
وجوابي يأتي إنعطافاً على جواب قيادة عمليات بغداد الذي قالت فيه: أن سبب هذه الإجراءات المشددّة، وهذا الازدحام من أجل حماية الزوار والمواكب الحسينية في شهر محرم.. وكأنهم يريدوننا أن لا نحب ولانعشق مجيء هذا الشهر الحسيني، وأن لا نمارس طقوسه!!
وتعليقاً على كلام المسؤولين في عمليات بغداد أقول: أنه كلام جميل، وإجراء صحيح لو أن الأمن متوفر للزوار في شهر محرم فعلاً، وإن الأمان متحقق للمواكب الحسينية بشكل تام، وليس ما يعلن في وسائل الإعلام كل ساعتين أو ثلاث عن تفجير سيارة أو سيارتين هنا، وإستشهاد زوار، ومصلين هناك، وما دام الذبح مستمراً، والتفجير قائماً على قدم وساق في محرم أو في غيره، فعلام إذن هذا التأخيرالقاتل وهذا الإزدحام المجنون؟!
لقد سئم الناس معيشتهم، وكرهوا حياتهم في ظل هذه الأوضاع، إذ لا يعقل قطعاً أن يقف المواطن متبسمراً في مكانه بأول الجسر لأكثر من ساعتين، وقد يصل الوقوف والإنتظار أحياناً الى ثلاث ساعات، وحين يتشرف المواطن بالوصول الى السيطرة العسكرية المنصوبة في الجهة الثانية من الجسر، وهو يتوقع طبعاً وجود حشد من العسكر الذين يقومون بمهمة الفحص والتفتيش، يتفاجأ عند وصوله لهذه السيطرة ان كل الذي في خياله وهمٌ، فليس هناك تفتيش، ولا حشد، ولا هم يحزنون.. إنما الأمر لايتعدى وجود (جندي ضايج وروحه طالعة)، يضع موبايله على أذنه، ويتحدث مع شخص أو (شخصة) أخرى، فيتكرم على السيارات بين برهة وأخرى، ليمنح إشارة المرور لهذه السيارة أو تلك!!
إقتراحي لكم يا دولة الرئيس أن تغادر المنطقة الخضراء ولو لساعات فقط، وأن تتنكر بالزي العربي (يعني بالعگال واليشماغ)، وتمر بسيارة تاكسي على شوارع وجسور بغداد (دون حماية طبعاً) لكي تسمع ماذا يقول عنك الناس وهم يغادرون السيارات ويمضون الى بيوتهم مشياً على الاقدام ( وهم يدعون لك بالصحة والعافية وطولة العمر .. والعاقل يفتهم)!!
وقتها ستعرف يادولة الرئيس كم أحبك، وكم أخاف عليك.. وستعرف أيضاً لماذا كتبت هذا المقال؟!..