فالح حسون الدراجي
قبل ثلاثة أيام تشرفتُ بمقابلة معالي وزير النفط العراقي المهندس عبدالكريم لعيبي في مكتبه الوزاري. وبقدر ما كان الوزير بشوشاً ومنشرحاً حين كنت ألتقيه من قبل، وجدته هذه المرة حزيناً ومهموماً وقلقاً أيضاً!! ولا أخفي عليكم، فقد بقيت صامتاً لدقائق دون كلام أمام هذا المشهد.. اذ لم أستطع، أو أقدر على المغامرة، فأسال الوزير عن سبب هذا الحزن.. لا سيما وأن المزاج العام للناس كان معكراً، والحزن الذي ينبت في الصدورعميقاً وظاهراً ايضاً، فأدركت أن مصيبة أبي عبدالله الحسين عليه السلام تصيب الناس جميعاً بالأسى، والكدر، وما هذا الحزن الذي يغلف وجه الوزير إلا بعض من أحزان الناس بهذه الفاجعة المؤلمة.. لكني استدركتُ وسألت نفسي: إذا كان حزنه لفاجعة كربلاء، خاصة وأن تلك الليلة ـ كانت ـ ليلة الوداع، ويقيناً أن ليلة وداع أبي الاحرار لأهله وصحبه ليست مثل أية ليلة وداع أخرى.. وإذا كان الهم المرسوم على ملامحه ومحياه هو هماً مشتركاً لجميع محبي وعشاق آل بيت الرسول، فلِمَ إذن هذا القلق الواضح على وجه الرجل. وعلى هيئته ونبرات صوته وكلماته رغم صلابته، وقوة تحمله، وصبره المعروف؟
لم أنتظر طويلاً.. حتى بادرني الوزير قائلاً:ـ
ـ أنا حزين.. وقلق أيضاً يا فالح!!
إبتسمتُ إبتسامة بسيطة، وقلت له:ـ أن الحزن والقلق واضحان عليك يا معالي الوزير.. ثم أكملتُ حديثي قائلاً له:ـ هل أستطيع معاونة معاليكم في إزالة بعض هذا القلق؟
فأجابني قائلاً:ـ أتمنى ذلك لو كنت تقدر.. لكن المشكلة تخصني أكثر من غيري، رغم أنها تعني وتخص الجميع أيضاً..
قلت: وما المشكلة؟
فقال: مشكلة ما حدث في الرميلة من فعل.. وردود فعل!!
ثم أكمل الوزير حديثه قائلاً:ـ بصراحة أنا حزين لفاجعة الطف، ومصاب سيد الشهداء الحسين عليه السلام.. وقلق أيضاً لما حدث ويحدث في الرميلة الآن.. ولإنعكاساته على عملية إنتاج النفط في العراق، إذا ما استمر التوتر والتهديد في حقول النفط الجنوبية.. قلت له:ـ وماذا يقلقك شخصياً معالي الوزير؟
ـ قال:أنا المسؤول عن إنتاج وتصديرالنفط في العراق، والمسؤول أمام الله وأمام الدولة والشعب وأمام ضميري عن كل دولار يضيع من حقوق النفط العائدة للشعب العراقي. ولو كنت مكاني لشعرتَ بما أشعر به من مسؤولية، ولعرفت سر قلقي وخوفي، رغم أني واثق من أنك تعرف بميزانية العراق، وبمعيشة العراقيين التي تعتمد على الله سبحانه وتعالى أولاً، وعلى إيرادات النفط ثانياً.. ويقيناً أنك تعرف كذلك بأن أي توقف في الإنتاج، أو تلكؤ في التصدير سيسَبب إنخفاضاً في الواردات المالية للعراق، وهذا يعني أن خللاً كبيراً سيحدث في آلية المدفوعات الحكومية لكل مفاصل الحياة في العراق.
قاطعته بلطف وقلت: أتسمح لي يا معالي الوزير أن أسألك عما يدور في خاطرك.. ويقلقك بصراحة؟
رفع الوزير رأسه وقال لي: المشكلة أن الفعل السيئ الذي إرتكبه ذلك العامل الأجنبي في الرميلة – سواء كان بقصد أو بغير قصد – قد خلق مناخاً وجواً متوتراً في المنطقة.. ولعل الأشد منه ما حدث من ردود أفعال عنيفة تزامنت مع حلول ذكرى إستشهاد أبي الاحرار الإمام الحسين عليه السلام ، وإرتفاع المد العاطفي والوجداني لدى الناس الموجوعين بهذه المصيبة.. ويا ليت الأمر قد توقف عند ردة الفعل تلك، إنما وصل الأمر الى حد التهديد المباشر للشركات الاجنبية، وللأشخاص الاجانب في العراق، ما أربك العمل في حقول النفط، وقد تزايد الخوف والقلق للأجانب عندما رفع البعض من المجاميع المنفعلة، التي يغذيها بعض الأشخاص الذين نعرف أهدافهم ونواياهم الحقيقية، وهي طبعاً ليست الأهداف والنوايا النبيلة التي يرفعها محبو الحسين شعارات القصاص من العمال الأجانب، فدفعت الشركات الاجنبية لإغلاق أبوابها والتزاحم على بوابات مطارات العراق هروباً من العراق.
وبطبيعة الحال فإن الإعلام المعادي، سواء كان محلياً أو أجنبياً قد ساهم بخلق هذه المخاوف، وبتأجيجها وتضخيمها كثيراً..
وقبل أن ينهي الوزير كلامه قال: أن مسؤوليتي تتطلب موقفاً أطمئن فيه شركات النفط الأجنبية، وأعيدها للعمل، من أجل إستمرارية إنتاج وتصدير النفط العراقي.. ويجب ان يكون هذا الموقف قوياً، وكاملاً وإلأ فلن يقبل العاملون الأجانب بالعودة الى العمل.. وفي نفس الوقت فإن بعض الجماهير المدفوعة بشعارات البعض من أصحاب المصالح، وبعض وسائل الإعلام .. تريد منا موقفاً تصاعدياً ضد هذه الشركات.. لا سيما وأن عصب الموضوع حساس للغاية، فتخيل قضية موضوعها مولاي الحسين عليه السلام، ورايته الطاهرة.. وإرتباط ذلك بمشاعر جمهور واسع يطالبنا بالقصاص أيضاً من الجميع دون استثناء رغم أن موضوع (الراية ) فيه الكثير من الالتباس وسوء الفهم الذي سنأتي على ذكره لاحقاً بالتفصيل.. ناهيك عن مسؤوليتك الأخلاقية في حماية ضيوفك الأبرياء مما حصل في الرميلة. لاسيما وأن جميع هذه الشركات تحترم وتقدس الشعائر الدينية في العراق، بل أن بعضهم كان قد ساهم بشكل فعال في دعم الشعائر الحسينية، وتنفيذ الكثير من الأعمال المساعدة والمساندة للمواكب الحسينية..
فهل عرفت لماذا أنا حزين وقلق؟
قلت له:ـ أنت معروف بوطنيتك، ومعروف بمواقفك ومشاعرك الحسينية أيضاً. والجميع يعلم أن الوطن والحسين على خط واحد..