الإفتتاحية

شرطة والنبي شرطة..!!

فالح حسون الدراجي

   قد يعتقد بعض القراء أن مقالتي هذه رياضية وليست سياسية، بخاصة وأنا أكشف فيها عن سر علاقتي التأريخية بنادي الشرطة الرياضي، ذلك النادي الذي فتحت عينيَّ عليه منذ أول صباي، وتكحلت عيناي بروعة اللون البنفسجي الذي كان يرتديه فريق آليات الشرطة قبل أكثر من أربعين عاماً. والنادي الذي تلقفت أسماعي بشغف – وأنا فتي – أهازيج جمهوره الوفي بقيادة المشجع الكروي المعروف (قدوري) وهو يهتف بصوته الجهوري: شرطة والنبي شرطة.. فكان الجمهور يردد خلفه: شرطة شرطة شرطة!!

ولا أنسى ما حييت غرفتي الصغيرة في بيتنا بمدينة الثورة قطاع 43 وجدرانها التي كانت مزدحمة آنذاك بصور نجوم الشرطة أمثال الكابتن الراحل عبد كاظم، والشهيد البطل بشار رشيد، والراحل ستار خلف، والراحل چاسب شند، والنجوم طارق عزيز، وگلبرت سامي، ومنعم حسين وشاكر إسماعيل ورياض نوري ولطيف شندل، ومجيد علي، وباسل مهدي، ومظفر نوري، والنجم الكبير دگلص عزيز، وحشد آخر من النجوم الذين لا تحضرني أسماؤهم الآن.. لقد بقيت روحي معلقة بأخبار الفريق الشرطاوي أينما مضيت، وأينما حللت حتى هذه اللحظة، رغم مرور زمن طوييييييييل على نشوء تلك العلاقة الوجدانية.. لكن المشكلة التي كنت أعاني منها تكمن في كينونة هذه العلاقة، لاسيما وقد كنت شيوعياً، بينما كانت (أخلاقية) جهاز الشرطة من الناحيتين السياسية، والإجتماعية معيبة للأسف.. فمن الطبيعي أن يكون جهاز الشرطة معاديا لآمال وتطلعات الشعب، إذا كان قد تربى في حاضنة غير وطنية.. مثل حزب البعث الفاشي.. ولا أعرف كيف نرجو من هذا الجهاز أن يكون وطنياً، وهو التابع لمسؤولية وزارة الداخلية، ولوزير مجرم مثل وطبان التكريتي، أو لسفاح خطير مثل سعدون شاكر؟!

    لذلك كنت أشعر بالحرج  مثلاً أمام (رفاقي) من أعضاء الشبيبة الديمقراطية عندما كنا نتباحث في هوى وشجون الكرة العراقية آنذاك، فكان البعض من أولئك (الرفاق) يتباهى بتشجيعه نادي البريد، والآخر بحبه لنادي السكك، والثالث بتأييده لنادي الميناء، لما لهذه الأندية الثلاثة من سمعة وطنية كبيرة، وأيضاً لأنها تضم عدداً كبيراً من اللاعبين الوطنيين التقدميين.. كل هذا كان يحصل وأنا صامت أمامهم، على الرغم من أن فريق آليات الشرطة كان هو الآخر يضم كوكبة من الرياضيين الوطنيين المعروفين، لكن المشكلة الحقيقية كانت تكمن في سمعة الشرطة السيئة..ها أنا أتحدث عن تلك الحقبة البعثية السوداء التي كانت فيها الشرطة مخلباً من مخالب النظام الدموي، وسوطاً من سياط الطغمة الدكتاتورية.. فضلاً عما كان يسود هذا الجهاز من فساد ورشى وانحلال قيمي وأخلاقي لايوصف. نعم أتحدث اليوم وأنا أرى بأم عيني ذلك الإختلاف الكبير الحاصل في الشكل والمحتوى بين شرطة وطبان، وشرطة العراق الجديد. ويقيناً فقد باتت (شرطتنا) الوطنية اليوم تلعب دوراً دفاعياً عظيماً عن الشعب، وعن مكتسبات الشعب الديمقراطية، ودليلي على ما أقول هو كواكب الشهداء المضيئة التي تقدمها الشرطة العراقية كل يوم على طريق بناء المشروع الوطني والحضاري الذي ينهض به العراق الحر الجديد ليس في المنطقة فحسب، بل في عموم العالم أيضاً، رغم العثرات التي يتعرض لها هذا المشروع، بسبب العقبات والحواجز الخارجية والداخلية التي توضع في طريقه.. ورغم الأخطاء السياسية التي تحصل عندنا. لكن الحقيقة الساطعة التي لا يمكن إغفالها: ان  وزارة الداخلية اليوم قد تغيرت تماماً بعد أن أصبحت ملكاً للعراقيين جميعاً،  وليس مزرعة من مزارع (وطبان) أو شركة من شركات (سبعاوي).. وبعد أن بات يقودها أهلها الحقيقيون، وليس الغرباء الوافدون من بوادي الدم وصحاري العنف الأسود !!

    ختاماً دعوني أقول لكم بصراحة: لقد تحررتُ اليوم من عقدة العيب التي كانت تؤرقني وتمنعني من تشجيع نادي الشرطة أمام الآخرين، بفضل تضحيات أبنائنا الأبطال من جهاز الشرطة خصوصاً وأبناء الداخلية عموماً  وبفضل بطولات هؤلاء الفتية الذين يسطرون ملاحم المجد كل يوم، وكل ساعة عبر تصديهم لأوباش الإرهاب، ومواجهة الموت بصدورهم النبيلة.. سأتعمد الحضور الى ملعب الشعب في كل مباراة، وسأرفع صوتي عالياً أمام الجميع، وأهتف قبل أن يهتف مهدي وقدوري: شرطة والنبي شرطة!!

قد يهمك أيضاً