الإفتتاحية

القذافي طلع مجرم.. وصدام خوش آدمي!!

فالح حسون الدراجي

  قرأت أمس في أحد المواقع الليبية (الحرة) إعلاناً عن إستعداداته لإقامة إستذكار تأبيني (للشهيد) صدام حسين، بمناسبة قرب موعد إعدامه! وفي الحقيقة فقد شعرت بالحزن والأسى والمرارة وأنا أقرأ هذا الإعلان السخيف في هذا الموقع الليبي (الحر)، لاسيما وإن العراقيين وقفوا بكل ألوانهم وأطيافهم ومذاهبهم مع الشعب الليبي في إنتفاضته المجيدة للتحرر من ظلم الدكتاتورية القذافية الخضراء.. لاسيما وأن العراقيين عانوا من جور الدكتاتورية السوداء ثلاثة عقود ونصف ؟

ولا أجد حرجاً اليوم لو قلت بأني كتبتُ مقالة قبل أن تنطلق شرارة الثورة الليبية في السابع عشر من فبراير، نُشِرَت وقتها في مواقع عراقية كثيرة، ثم نشرت بعدها في موقعين ليبيين معارضين للقذافي، وقد طالبت بهذه المقالة جماهير الشعب الليبي الحُر بالخروج الى الشوارع، والتظاهر ضد سلطة القذافي أسوة بما فعله الشعب التونسي البطل في إسقاط سلطة بن علي الجائرة. وقد وصلتني وقتها ردود ورسائل عنيفة من أنصار ومؤيدي النظام الليبي الساقط. بعد ذلك توالت المقالات، والمساندات والتأييدات، والمواقف العراقية الرسمية والشعبية الداعمة للإنتفاضة الليبية الباسلة منذ إنطلاقتها. وأجزم  أن الموقف العراقي من الثورة الليبية، كان الموقف الوحيد الذي لم يختلف حوله العراقيون، إذ نالت إنتفاضة السابع عشر من فبراير دعماً وتأييداً شعبياً من العراقيين جميعاً دون إستثناء.

وعندما سقط النظام الدكتاتوري الليبي، وحدث ما حدث من امور وقضايا غير طبيعية، منها مقتل القذافي برصاصة من مسدس أحد شبان الثورة الليبية. وكذلك مقتل ولده المعتصم بنفس الطريقة، وأمور أخرى كثيرة.. لم تنطق الأمة العربية المجيدة بكلمة واحدة بخصوص هذا الموضوع المُشين، ولم يسأل أي مسؤول حكومي، او أي كاتب عربي، أو أي رجل دين ( مجاهد ) من جماعة القرضاوي، او الفهداوي، كما لم يسأل أي مواطن عربي صالح، أو ( جاسم ) ثوار ليبيا عن الطريقة اللاإنسانية التي أعدم بها القذافي وولده المعتصم، على الرغم من إني أؤيد قتل هذا الطاغية ..

وطبعاً فإن أسباب هذا الصمت واضحة ، والجواب جاهز حتماً : فالقذافي كان مجرماً، ودكتاتوراً، وطاغية يستحق القتل والإعدام.. أمَّا لماذا لم يحاكم الرجل محاكمة أصولية، وينال جزاءه العادل، ولماذا لم يتم التعامل معه بما يوصينا ديننا الإسلامي الحنيف في التعامل مع مثل هذه القضايا، ولماذا غابت القيم الإنسانية والأخلاقية في تلك الساعة (الثورية)، ولماذا بات القذافي فُرجة للناس بعد موته، بحيث تم عَرضهُ كما تعرض الأحذية، والملابس الداخلية، ومواد التجميل في أحد (المولات) الليبية، ليتفرج عليه الناس بعد موته، ولماذا ولماذا ولماذا ؟ أسئلة كثيرة، وكبيرة لم يعرضها أحد، ولن يجيب عليها أحد، وذلك لأن قتلة القذافي (مو عراقيين)، ولا أقول غير ذلك، فيتَّهمني البعض بالطائفية، والمذهبية، والعمالة لإيران وأمريكا وساحل العاج. وانا رجل بعيد عنها والحمد لله.. 

  أما عندما يحاكم شخص مثل صدام حسين محاكمة قضائية نزيهة عادلة، وتوفر له كل أسباب المحاكمة الدولية الإنسانية اللازمة، فتنقل محاكمته عبر شاشات التلفاز، وتراها الملايين، وأن يعامل معاملة إستثنائية فريدة سواء في (فندق) السجن او في (سينما) المحكمة، وهو الذي قتل نصف مليون عراقي بريء في حروبه الطائشة، وفي أحواض التيزاب، ومحارق الأسلحة الجرثومية والنترونية السامة، ويوم ينفذ به حكم القضاء العادل بالإعدام شنقاً، تنطلق حناجر الأمة العربية في كل مكان مندَّدة بإعدام قائد عربي مسلم، بل وأن يقوم موقع ليبي حر كما يدعي بتأبين صدام بعد موته بسبع سنين !!

اما القذافي فهو ليس عربياً ولا مسلماً.. ولا يستحق الذكر.. ياسبحان الله؟!

 سأتوسل بكل من يجيبني على هذا السؤال: هل أن صدام عربي ومسلم (وخوش آدمي وشريف)، بينما القذافي ليس عربياً ولامُسلماً ولا كل شيء.. وإلاَّ كيف أعتبر العرب (المجرم) صدام حسين شهيداً وبطلاً، فراحوا يقيمون له مجالس العزاء، ويترحمون على روحه في كل البقاع العربية، وتكتب له قصائد الرثاء والجنجلوتيات، بل أن البعض من مذيعي ومذيعات قناة الجزيرة ظهروا على الشاشات العربية يومها وهم يرتدون الأسود الحزين، ويضعون صورته على صدورهم، دون أدنى إحترام لمشاعر أُمهات الضحايا العراقيين الذين أعدمهم صدام. والمشكلة أن الأمر ظل على حاله حتى بعد أن أدين صدام قضائياً أمام  أعداد غفيرة من المحامين العراقيين والعرب والأجانب الذين حضروا جلسات المحاكمة، وأمام أنظار الملايين من الناس في مختلف أنحاء العالم، حتى أعتبرت محاكمة صدام آنذاك أنموذجاً للمحاكمات العادلة، بينما لم يقل العرب كلمة واحدة في الطريقة البشعة التي قتل بها (الرئيس العربي والمسلم أيضاً) معمر القذافي، بخاصة وإنه لم يحاكم، ولم يعامل غير معاملة البغال المجنونة عندما يراد إنهاء حياتها: طلقة واحدة في الرأس .. وبعدها باي باي عموري..

فهل أصبحت لدينا عروبتان: عروبة لصدام، وعروبة أخرى للقذافي؟.. أم بات لدينا إسلامان: إسلام عراقي وإسلام ليبي!.. أم صار عندنا عدلان.. وشرفان أيضاً..! 

أتذكر صرخة الشاعر الكبير مظفر النواب في قصيدة حَسَن الشِمّوس:-

چا هوَّه لِعِب دَم الشعب يَبني…؟

چا هوَّه الشرف شكلين… جاوبني؟

فأعيد هنا سؤال شاعرنا النواب ثانية، وأوجهه الى ذلك الموقع الليبي (الحر) وأقول:

چا هوَّه الشرف شكلين… جاوبني؟

قد يهمك أيضاً