الإفتتاحية

براءة البولاني..!!

فالح حسون الدراجي

  بعد أن قال القضاء العراقي العادل كلمته بحق وزير الداخلية السابق جواد البولاني، وبعد أن نال الرجل براءته على يد قضاة محكمة النزاهة في الدعوى المعروفة باسم (أجهزة كشف المتفجرات) بات اليوم من حقي وحق غيري أن نقول كلمتنا بهذه المناسبة. خاصة وإني كنت قد تعهدت مع نفسي أن ألتزم الصمتَ تجاه هذا الموضوع، وأن أنأى بقلمي بعيداً عن التجاذبات الإعلامية والسياسية التي رافقت هذه القضية منذ بدايتها حتى اللحظة. 

لقد صمتُ طيلة عام كامل صمتاً مطبقاً، ليس لأن جواد البولاني صديقي، وستحسب كل كلمة أقولها حساباً آخر فحسب، إنما لأن التحقيق في هذه القضية لم ينته، وإن القضاء العراقي لم يقل كلمته الفصل بعد، وأنا شخصياً ارفض التدخل في مثل هذا الموضوع الحساس والخطير قبل أن نتبين فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود. فالتدخل الإعلامي والسياسي قبل إكمال التحقيق في مثل هذه القضية أمر بالغ الخطورة.. لاسيما وإن هذه القضية الملغومة بإشكالات عديدة، هي مشكلة وطنية وأمنية خطيرة، إضافة الى أن الملابسات المالية، والتنافسات السياسية التي رافقتها، لم تتوقف يوماً قط. ربما يسأل البعض عن سبب التأخير في مثول البولاني أمام القضاء العراقي خاصة وإن مذكرة التوقيف، او الإستدعاء قد صدرت بحقه قبل ثلاثة اشهر؟

والجواب الذي لابد أن أعرضه هنا للحق، وللأمانة الإعلامية.. أن البولاني الذي إبتلاه الله بمرض (عقيلته) وأم أطفاله بمرض خبيث وسريع، إستدعى مرافقتها في رحلة العلاج التي إمتدت لأكثر من سبعة اشهر خارج العراق، تلك الرحلة التي لم تنته بعد.. تلقى أمر الإستدعاء القضائي (إعلامياً طبعاً)! وهو في ظروف نفسية بالغة الحرج.. فالرجل يتنقل بزوجته المريضة من بلد الى بلد، ومن مستشفى الى مستشفى، بينما كانت الذئاب المفترسة تنهش في لحمه دون رحمة. ولا أكشف سراً لو قلت بإني كنت على إتصال دائم به طيلة هذه الفترة الصعبة، وكنت أصبِّر عليه، وأشجعه على تحمل المصاب.. فللصداقة حقوق وواجبات علينا.إذ لا يصح اخلاقياً أن نكون مع الرجل وهو بمنصب الوزير، ونتركه وحيداً حين يقع في ظرف صعب..

 وللحق، فقد كان البولاني شجاعاً وقوياً وصبوراً، ولم أجده يوماً غير ذلك، على الرغم من الأنباء السيئة التي كانت تصلنا عن الوضع الصحي لزوجته الكريمة.. ولكي أكون دقيقاً، فقد كان الرجل متألماً جداً لما يشاع حوله في وسائل الإعلام، خصوصاً من قبل إخوته في العملية السياسية.. 

وأمس، وما أن وجد البولاني فرصة ملائمة بعض الشيء للمجيء الى العراق، حتى ترك زوجته على سرير المرض، وجاء مباشرة الى المحكمة، دون أن يعرف أحد من حمايته، او من أهله أن الرجل متوجه الى المحكمة فدخل الى المحكمة قائلاً لموظف الإستعلامات: أنا جواد كاظم عيدان البولاني، وعليَّ مذكرة إستدعاء من السيد القاضي.. ووسط دهشة الجميع في تلك المحكمة.. دخل البولاني الى القاضي كأي مواطن بسيط يمتثل الى القضاء.. إذ لم نجد من قبل وزيراً غيره فعلها، وجاء برجله للمحكمة..

وبعد التحقيق، وعرض كافة حيثيات الموضوع خرج البولاني من المحكمة مرفوع الرأس. فمبارك للصديق البولاني براءته، على الرغم من إننا جميعاً واثقون من هذه البراءة.. فشخص مثل البولاني يحمل هذا الخلق الرفيع، وهذه الوطنية، والتربية الأسرية الطيبة لايمكن أن يفعل أمراً مخالفاً لقيمه وأصالته.

قد يهمك أيضاً