فالح حسون الدراجي
كلما اقترب موعد الزحف المبارك لمرقد أبي الأحرار، وسيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وكلما يحث عشاق الحرية السير الشجاع نحو قباب المجد الطاهرة في كربلاء. وما أن يتقدم اليوم الأربعين مسرعاً في مفكرة الأيام حتى تضطرم النار الحاقدة في قلوب، وعقول أحفاد يزيد بن معاوية، وعمر ابن سعد، وعبيد الله ابن زياد، ويزداد لهيبها في عظامهم، فتتجذر لعنة الحقد في شرايينهم، ويدفعهم حقدهم الأعمى للتفكير بأي عمل يمكن له أن يوقف هذا الزحف المقدس، فيخفف عنهم وجعهم القاتل.. لذلك تراهم يفعلون كل ما في مقدورهم فعله من أجل ردع هؤلاء الحفاة المشاة عن المضي نحو حبيبهم الحسين، وإيقاف هؤلاء الفقراء المغرمين من مواصلة درب الوفاء نحو أرض كربلاء. وإرهاب الأوفياء الذين جاءوا يحملون العشق والشوق في قلوبهم، قاطعين الجبال والبراري مشياً على الأقدام، لا من أجل مال جاءوا طمعاً فيه، ولا من أجل مُلك أجهدوا ارواحهم اليه، ولا لمنصب، او جاه عند سلطان يسألون عليه.. إنهم يواصلون الليل بالنهار، وبعضهم يأتي من آخر الدنيا، وسط هذا الجو البارد القارس، وفي هذه الظروف الأمنية الصعبة، والتي زرع دروبها الارهابيون بكل وسائل الموت والخراب، لينالوا رضا الله، وينعموا بإرضاء رسوله الكريم، وهل هناك أعز عند النبي من زيارة في اربعينية ريحانته، وسبطه، وابن بضعته الزهراء؟
وللحق فإن ثمة من يأتي للزيارة، لا طمعاً بجنة، ولا سعياً لأجر، أو ثواب كما يطمع المسلمون، فالزوار الذين هم من غير المسلمين، يأتون إكراماً وإجلالاً لذكرى استشهاد أبي الأحرار، ومعلم الإنسانية الأول في درس الحرية، ونموذج البسالة والإصرار على اكمال الرسالة العظيمة مهما كانت التضحيات. لذلك فإن زيارة مرقد الحسين عليه السلام لا يأتي عندهم في حسابات الجنة والنار، أو الأجر والثواب. إنما هم أحبوا موقف الحسين ودرسه القيمي والأخلاقي والتحرري، وما علينا إلاَّ أن نتابع الأنباء الواردة أمس لنعرف أن وفداً من الفاتيكان سيشارك في زيارة الأربعين. فهل هناك مرجعية غير إسلامية أهم من مرجعية الفاتيكان ياترى!. فماذا يقول الخائبون بعد. ومن هو الأكثر حرصاً وحفاظاً على سمو القيم المسيحية من حضرة الفاتيكان؟
ويقيناً أن الكثير يعلم أن هناك عشرات الأخوة الصابئيين والأيزيديين، والمسيحيين العراقيين الذين عاشوا وتربوا في مدن العراق – الجنوبية على وجه الخصوص – كانوا ومازالوا يمارسون حقهم وحريتهم الإنسانية في مشاركة أخوتهم المسلمين في الزيارة الأربعينية عبر التوجه مشياً على الأقدام الى حيث يرقد الإمام (الحسين) الخالد، أو من خلال إقامة المواكب الحسينية في الطريق وتقديم الخدمة الطوعية للزوار، حالهم حال المواكب الحسينية الأخرى. وهذا النموذج مصوَّر وموثق ومعروف.
لذلك ارتعب الطائفيون الوهابيون من مرأى المسلمين وغير المسلمين وهم يتوافدون معاً الى كربلاء المقدسة. وقد ازداد خوف ورعب الحاقدين من فخامة العدد الكبير والمذهل الذي حضر في العام الماضي، والعدد الكبير الذي حضر في العام الذي سبقه. ولعل الأمر الذي أخافهم اكثر هو هذا التزايد السنوي الهائل، وهذا التنوع الذي بات ميزة لزوار أبي عبد الله. لاسيما وهم (يحجّون) الى كربلاء، ويأتونها باشكال وأعراق مختلفة، وبألسن ولغات متعددة.. وقد جنَّ جنونهم فعلاً حين شاهدوا الطوفان البشري العظيم بأعينهم عبر كاميرات القنوات الفضائية العراقية والعربية والاسلامية والعالمية التي نقلت المشهد العظيم دقيقة بدقيقة. فماذا يفعل المجرمون إزاء (هذه المصيبة) التي لن يقدروا على إزاحتها من رؤوسهم؟
لذلك لجأوا الى أقذر الحلول، وأتعسها، فاختاروا حل المنع القسري لهؤلاء المجانين بحب الحسين، والمغرمين بثورته. وكان هذا الحل هو الاسوأ، والأحط.. لأنهم لو كانوا قد فكروا قليلاً ، واستداروا الى الماضي القريب، ورأوا كيف فشل قبلهم المجرم صدام باختياره نفس الحل الإجرامي.. حين جرَّب قتل زوار الحسين ومنعهم من أداء هذه الفريضة العاطفية الوجدانية بالقوة، وكيف انتهى أيضاً ذلك المجرم الوضيع الذي ضرب قباب الحسين بالمدفعية، وهو يخاطب ابن بنت النبي قائلاً بجنون: أنا حسين، وأنت حسين.. فمن ينتصر؟!
نعم لقد كنت اتمنى فعلاً لو تنبَّه المجرمون لنهايات صدام حسين، وحسين كامل، وقبلهما نهايات القتلة امثال يزيد، وابن زياد، والشمر، وبقية الجلاوزة، لربما أيقنوا أن وسيلة القتل والدم لاتنفع بالمرة مع عشاق الحسين، ولربما يكونون قد فكروا الف مرة خلال اليومين الماضيين، قبل أن يقوموا بأكثر من أربعين عملية تفجير وقتل وتسميم خبيثة خلال ثماني وأربعين ساعة فقط . فلعنة الله على يزيد بن معاوية، وعمر ابن سعد، وعبيد الله ابن زياد، وصدام، وحسين كامل على هذه الجينات الوراثية الطايح حظها..