لا يختلف اثنان على أن الشرطة الوطنية العراقية اليوم تختلف جذرياً عن شرطة نوري السعيد، أو شرطة وطبان التكريتي.. والاختلاف لا يتوقف عند جانب سلوكي معين، إنما هو اختلاف شامل يصل لجميع مفاصل منظومة القيم الأخلاقية والوطنية والمهنية. فالشرطي العراقي اليوم بات مختلفا عن ذلك الشرطي الذي كان عليه ( أبو اسماعيل) أيام زمان.. يوم كان الشرطي في عهد نوري السعيد يقوم بأعمال مذلة، ومعيبة، تتعارض مع الرسالة الوطنية والمهنية التي أنشئ من أجلها جهاز الشرطة في العراق. بينما أصبح الشرطي في عهد صدام وإخوانه غير الأشقاء أداة من أدوات القمع الوحشي، ووسيلة من وسائل البطش .
ربما يقول البعض: وماذا تغير اليوم، كي تقول أن الشرطي في هذا العهد أصبح مختلفاً عن الشرطي في العهود السابقة؟
والجواب: لقد تغير الكثير.. وأول هذه المتغيرات، أن الشرطي اليوم بات يشعر بقيمته الإنسانية الكبيرة، وبأهميته، وأهمية موقعه الوطني والمهني. وأصبح يعي بأنه جزء فاعل من الشعب، وليس غريباً عنه.. كما بات معنياً بأمن الوطن، حاله حال الجندي العراقي الذي يدافع ويستشهد دفاعاً عن الوطن أيضاً. لذلك فإن روح المواطنة قد نمت وازدهرت لدى الشرطي الجديد بشكل مذهل، ومن نتائجها أنه صار ينظر الى أي مواطن عراقي، نظرة الأخ لأخيه، وليس نظرة العدو لعدوه، الذي ينتظره على أبواب مركز الشرطة لينتقم منه أو (يحلبه)!
لذلك فإني أقترح أن يكون شعار الشرطة بعد اليوم:
الشرطة في خدمة الشعب.. وحماية الوطن..!!
هل تريدونني أن أثبت لكم بالأسماء والصور والوقائع مئات العناوين الباسلة لمراتب وضباط من شرطة العراق الذين ضحوا بحياتهم خلال السنوات القليلة الماضية دفاعاً عن العراق، وشعب العراق؟
من أين تريدون أن أبدأ معكم؟
أنبدأ من الشرطي الشهيد البطل أيوب خلف الذي احتضن الإرهابي الانتحاري الذي أراد أن يفجر نفسه في الخالص بين الزوار المتوجهين الى كربلاء لإحياء اربعينية الامام الحسين عليه السلام قبل أيام؟ أم من الشرطي الشهيد البطل بلال محمد علي، الذي قام باحتضان إرهابي كان يرتدي حزاماً ناسفاً في قضاء بلدروز، ليستشهد به بعد أن أنقذ حياة مئات المواطنين المدنيين!.. أم من الشرطي الشهيد البطل سجاد عبد الرضا السلطاني الذي تصدى لانتحاري عفن أستهدف المصلين في حسينية المصطفى شمال بابل!.. أم من نائب العريف شرطة الشهيد البطل منير كريم عبود الحريشاوي، الذي كان راكباً في احدى سيارات الأجرة، فسأل الجندي الواقف بالشارع عن سبب الازدحام، فأخبره الجندي أن ثمة عبوة ناسفة موضوعة في صهريج كبير، فما كان من شهيدنا البطل وهو الخبير المميز بالمتفجرات، إلاً أن ينزل من السيارة ويتوجه الى الصهريج ليبطل مفعول العبوة، ويفتح الطريق للناس.. لكنه استشهد بعد فترة وجيزة، وهو يفكك عبوة موضوعة بين سيطرتين في سامراء، عندما فتحت النار عليه!
هل أواصل الحديث عن هذه النجوم الساطعة التي أضاءت بدمائها ليل العراق؟ وكيف لي أن اتحدث عن عشرين الف شرطي عراقي سقطوا واقفين كالنخيل دفاعاً عن العراق وأمن وسلامة العراقيين؟ في عيد الشرطة الذي يصادف اليوم لا أطالب بتكريم مادي حكومي لهذه الصفوة الرائعة من شهداء الشرطة الأبطال، لأني أعرف أن المسؤولين في وزارة الداخلية لم يبخلوا قط على عوائل هؤلاء الشهداء، لكني أردت تكريماً معنوياً وشعبياً لشرطتنا الوطنية، سواء الأحياء منهم أو الشهداء.. إذ ليس من المعقول أن نغض النظر عن التضحيات البطولية التي يقدمها أفراد الشرطة هذه الأيام في الأنبار وسامراء وتكريت والموصل وديالى وباقي المحافظات العراقية، بل وتلك التضحيات التي قدمتها الشرطة الوطنية منذ رحيل نظام صدام الى يومنا هذا، بينما نقيم الدنيا ولا نقعدها عندما يسقط مركز شرطة في الفلوجة، ليس فيه أكثر من عشرة منتسبين، بيد مئات الإرهابيين المدججين بأفخم الأسلحة الهجومية. علماً بأن هناك فرقاً نوعياً شاسعاً بين منتسبي (شرطة) المراكز، ومنتسبي الشرطة الاتحادية، فمنتسبو شرطة المراكز ليسوا مقاتلين متخصصين بالعمليات القتالية مثل منتسبي الشرطة الاتحادية. إذ أن لكل صنف واجباته، وتخصصه، كما هو موجود في الجيش.. حيث هناك وحدات إدارية، وجنود، وضباط صف كتبة، مكانهم الأقلام، والإعاشة، وما شابه ذلك. وهناك أيضاً أفواج وألوية قتالية مهمتها القتال..
فرجاء رجاء، لاتتعاملوا مع شرطتنا الوطنية، مثل ما كانوا يتعاملون مع شمهودة.. تلك المرأة الطيبة التي كانت تلطم مع الكبار، وتأكل مع الصغار، حتى صار لطمها مثلاً يضرب. ويقيناً أننا جميعاً نعرف هذه الحكاية، لأن في كل بيت عراقي هناك شمهودة تلطم مع الكبار، وتأكل مع الزعاطيط!!