الإفتتاحية

هذا عبد الزهرة زكي يا أبا حسنين..

فالح حسون الدراجي

الأستاذ عدنان الأسدي الوكيل الأقدم 

لوزارة الداخلية المحترم

تحية تقدير واحترام..

صحيح أني أخاطبك رسمياً بهذا المقال، باعتبارك المسؤول الأول في داخلية العراق الجديد، لكني في الحقيقة أخاطب فيك الرجل المجاهد، الذي عانى ما عاناه إبان سنوات القهر والظلم الدكتاتوري.. أخاطب فيك العراقي المهجّر والمنفي، والمطارَد في منافي الغربة البعيدة، فذاق لوعة الإغتراب والتهجير القسري الاضطراري..

وأخاطب فيك يا أبا حسنين ذلك المثقف الذي يتنفس بين كريات دمك سراً، بعد أن حبستك الوظيفة الأمنية الثقيلة، فمنعت ذلك المثقف من الحضور، والتواجد بين المثقفين.. وابعدتك عن ميادين الثقافة قسراً. كما أخاطب فيك الانسان الشفاف الذي ينكسر مثل غصن التين حين يرى غصناً آخر تهزه الريح العاتية، فتحنيه الى الارض مكرهاً.. 

أخاطبك، وأشكو لك (عصابة) تنتحل صفة العسكرية حتى لو كانت هذه العصابة منتمية فعلا لاحدى الجهات الأمنية، إنها عصابة وان كنت لا اعرف بالضبط الجهة التي ينتمي لها أفرادها.. ولا يهمني إن كانت تابعة للجيش أو الشرطة، أو لأية جهة أخرى.. لكن الذي يهمني أن هذه (العصابة) إعتدت على مواطن عراقي فاخر، هو قطعاً  ليس مثل غيره من المواطنين.. 

هو مواطن يضيء ابداعاً وجمالاً واخلاقاً وقيماً واتزاناً.. وتاريخاً شعريا، ووطنيا مشعاً.. ونضالاً طبقيا مريراً، وانتماءً زاهراً، وقدرة صحفية متقدمة، حتى ان رئيس الجمهورية الاستاذ جلال طالباني إختاره مستشاراً له..

نعم يا أبا حسنين، فقد اعتدَت هذه العصابة الامنية على المواطن العراقي الجميل عبد الزهرة زكي، فأشبعته إهانة، وتجاهلاً، بل وإذلالاً، وهو المكتنز بالكرامة، والاحترام، والكبرياء.. إذ لم يكن شارع (أبو نؤاس) في ذلك اليوم الا مسرحاً لهذه (الجريمة) الاخلاقية. وموقعاً لهذا الاعتداء الآثم على رمز كبير من رموز الثقافة العراقية، ومصباح مضيء من مصابيح الارث الوطني الذي تجاوز العقود الاربعة.. وهو بكل الاحوال إعتداء غادر على شخص طاعن في التهذيب والاتزان، والحب، والرقي، والهدوء المميز.. لقد كانت الاهانة التي تعرض لها عبدالزهرة زكي بمثابة الاهانة التي توجّه لجميع المثقفين العراقيين ـ ولجميع المناضلين الشرفاء ـ إذ يكفي هذا الرجل شرفاً أنه غادر معتقلات صدام قبل سقوط السلطة البعثية بفترة قصيرة ـ ويكفينا شرفاً أن يكون مثل هذا المبدع الكبير واحداً منا.. لقد عرفت أبا حيدر ونحن فتية صغار في المرحلة الدراسية المتوسطة، فنَمَت علاقاتنا ونحن ننتمي لفكر وطني واحد.. ولثقافة عراقية أصيلة واحدة أيضاً.. واليوم وبعد أكثر من أربعة عقود، فإن صورة عبد الزهرة زكي المشعة جمالاً وروعة وحماسة وخلقاً عالياً منذ أن كان زميلاً في اتحاد الشبيبة الديمقراطية.. ولم تزل صورته تلك تثير في مخيلتي اجمل الذكريات، فتدفعنا للمزيد من الحب والعطاء والابداع..

   لم يكن عبد الزهرة زكي مثل غيره كما قلت.. فقد كان شاعراً مختلفاً، ومناضلاً صبوراً، وشخصاً مميزاً بهدوئه، واتزانه، وثقافته العالية.. وأذكر أنه زارني في بيتي بمدينة الثورة ـ مدينة الصدر ـ قبل اكثر من ثلاثين عاماً.. وقد جلس معي  في غرفة الاستقبال أكثر من ساعة، ليخرج بعدها دون أن يقول ما يريد، على الرغم من إني واثق بأنه زارني لأمر كان يود ان يطلبه مني، لكن كبرياءه منعه من ذلك، وخجله المفضوح دفعه الى الصمت.. إذ لم تنفع معه كل توسلاتي ليقول ما جاء من اجله!! 

ان (عبد الزهرة) يا أبا حسنين هو (عبد الزهرتنا) بكل ما نفخر به، وهو الرجل القوي الصلب، وفي نفس الوقت هو المهذب الذي لم يجرح شعور امرئ قط. لكنه اليوم يتعرض الى اهانة قاسية وثقيلة، دفعته الى اتخاذ قرار قاس، وهل هناك اقسى من ان يقرر الشاعر اعتزال مهنة الحب والروعة والجمال؟ ويقرر ايضاً الهجرة والنفي الطوعي  ـ وانت الذي ذقت طعم المنافي من قبل ـ لقد وعدنا الناطق الامين باسم وزارتكم العميد سعد معن بالاتصال  بالشاعر عبد الزهرة زكي، والاعتذار له عما لحق به.. دون أن يصلنا شيء بعد ذلك الوعد، على الرغم من ثقتنا بالعميد سعد.

ولأنك يا سيدي الوكيل واحدٌ منا، ولأنني أعرف أنك ستقرأ مقالتي هذه حتماً، فالفريق الرائع الذي يعمل بمعيتك يوصل لكم مقالتي يومياً. لهذا قررت أن اطلب منك شخصياً، وليس من غيركم،  ان تشرف بنفسك على التحقيق، فتنتصر لصديقنا أبي حيدر، وتحاسب، بل وتعاقب أيضاً العصابة الغادرة التي اهانت شاعرنا وزميلنا.. وأنا متأكد جداً بأنك ستتصل بنفسك في ذات اللحظة التي تنتهي فيها من قراءة مقالي هذا، لتقول لعبد الزهرة زكي: شلونك أبو حيدر.. أنا أخوك عدنان الاسدي الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية.. واخوك في بناء مشروعنا الوطني الناهض، وزميلك في ميدان الثقافة الوطنية الواسع..

بعدها سأترك لك يا أبا حسنين حرية انتقاء الكلمات اللطيفة التي تطبب بها جراح شاعر، هو أرق من النسمة وأزكى من الياسمين.

قد يهمك أيضاً