فالح حسون الدراجي
هناك أشخاص شجعان يعملون في العلن وتحت نور الشمس، فلا يخافون أحداً، ولا يترددون من أحد، ما دام هؤلاء الاشخاص واثقين من عملهم، وفعلهم.. ونواياهم..
وهناك أشخاص جبناء يعملون في السر والظلمة، حتى لو كان عملهم صحيحاً وسليماً.. والسبب أنهم لا يجرأون على العمل في العلانية.. والوضوح.. لأنهم جبناء!! ونفس الشيء تجده لدى نوابنا المحترمين.. فثمة نواب لا يقولون غير قول الحق.. ولا يفعلون غير فعل الحق، مهما كان الثمن غالياً.. وكلنا يعلم أن أثمان الحق باهظة، قد تكلف الشجاع أحياناً حياته، وحياة عائلته..
ومثال على ذلك ما حدث حول (قانون التقاعد).. فهذا القانون الذي خصَ ـ بنسخته الاولى ـ أعضاء البرلمان والرئاسات الثلاث، وأصحاب الدرجات الخاصة بحقوق وامتيازات تقاعدية لا ينالها الا أصحاب الجنة.. لأن الله سبحانه وتعالى وضع لأهل الجنة مكانة عالية ينال صاحبها الحظوة التي تجعله يتعشى مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويفطر مع النبي نوح عليه السلام في صينية واحدة.. فضلاً عن الانهار التي تجري من تحتهم وفيها كل شيء، فضلاً عن حواري العين وغير ذلك من (المكاسب) والعطايا التي منحها الله لعباده الصالحين!!
وبما أن هذا القانون (أي قانون التقاعد) يمنح النواب امتيازات وحقوقاً كبيرة لهم (ولگرايبهم)، وتؤمن مستقبلاً زاخراً لعوائلهم إذ لولا هذا الراتب التقاعدي(لداحت) عوائل بعض النواب على حد تعبير النائب (مطشر السامرائي) أطال الله عمره وأبقاه ذخراً للعروبة والإسلام..!!
وبما ان بعض فقرات هذا القانون(بعيداً عن لغة الدياحة والنياحة) هي فقرات لا يرضى بها الله، ولا رسوله، ولا المؤمنون، وبما ان وجود هذه الفقرات جريمة بحق الشعب والدولة والخزينة، التي يتسابق على نهبها (الزين والشين معاً)، فإن جماهير الشعب العراقي خرجت في جميع مدن العراق، منددة ومستنكرة ورافضة (هاي الكلمة ما إلها أي علاقة بالروافض) لأن القضية باتت مفضوحة، ومخزية، ومعيبة، استدعت خروجهم جميعاً لرفض هذا العار.. ناهيك عن أن المحكمة الاتحادية قد أدلت بدلوها في هذه البئر أيضاً، فحكمت بعدم قانونية هذه العطايا ودستوريتها والمنح والاستثناءات ـ في الحقيقة هي سرقة، وليست عطايا أو منحاً وظيفية استحقاقية تقدم لهم ـ وهنا بات الخيار صعباً عليهم، فأما أن يكونوا مع الدستور، ومع الجماهير الشعبية المسحوقة التي رفضت هذه الفقرات جملة وتفصيلا، أو أن يكونوا مع مصالحهم وجشعهم وفسادهم المنظَم بقانون!!
وهنا تتجلى الشجاعة، والموقف.. وقبل ذلك تتجلى الوطنية، والنزاهة والانحياز.. حتى يصبح الخيار ضيقاً.. إذ لا يمكن أن تكون مع مصالحك الانانية التي هي ضد مصالح الشعب، وفي نفس الوقت تريد أن تكون شريفاً، ونزيهاً (براسنا)!!
فاختر أيها النائب موقفاً واحداً.. فاليوم هو يوم المحك لشرفك الوطني والقيمي والأخلاقي..
وفي هذه الأثناء ظهرت لأغلب نوابنا على شاشات التلفاز، وفي واجهات الصحف والمواقع وصفحات الفيسبوك آراء، ومواقف وتصريحات تثلج القلوب، وتبهج النفوس، حيث يرفضون فيها منحهم هذه الامتيازات التقاعدية على حساب لقمة الفقراء!! وحسناً قالوا وصرحوا، إذ لا يمكن قطعاً لنائب أو وزير، أو رئيس لم يشرفنا بمعرفته، ولم يتكرم علينا بعمله أكثر من أربع سنوات، أن ينال راتباً تقاعدياً يساوي راتب مئة وخمسين موظفاً متقاعداً، عمل كل واحد منهم أكثر من ثلاثين عاماً دون توقف أو إنقطاع!! وهنا هللت وفرحت الجماهير لهذه التضحية من قبل نوابنا الكرماء حتى نام الناس ليلة التصويت مطمئنين، بعد أن وضع كل واحد منهم في بطنه (بطيخة صيفي), فقد أيقنوا تماماً أن قانون التقاعد سيرى النور أخيرا، وهو خال من شتى فايروسات الفساد النيابي، وسيصوت عليه البرلمان، بفقراته المنصفة للفقراء، والمعينة للعائلة العراقية فقط. لكن الكارثة ظهرت فجأة حين صادق مجلس نوابنا الموقر أمس الاول على قانون التقاعد، الذي ضم جميع الفقرات، بما فيها الفقرات الخاصة بتقاعد النواب والرئاسات الثلاث والوزراء والدرجات الخاصة، وبنفس الصيغة القديمة الكافرة.. وبهذا التصويت، فقد جاء البوري (ترس) و (مال غنم) .. وهنا صاح مچيسر المخبل من مكانه من دون أن يفهم شيئاً:
قشمرتونه.. لا يا خوات الـ … !!