الإفتتاحية

هكذا تكلم المالكي!!

فالح حسون الدراجي

  على مدى اربع ساعات متتالية، كنت يوم أمس في حضرة المالكي. وقد كان معي في هذا اللقاء المهم جداً، أكثر من خمسة عشر إعلامي وأكاديمي مميز، يعتبر بعضهم من مفاخر الإعلام الوطني في العراق. وللحق فإننا لم نكن نشعر بهذه الساعات الأربع التي مرَّت أمامنا كالبرق رغم طولها، وعرضها، وإتساع مساحتها، وإزدحام دقائقها على باب وقتنا المزدحم أصلاً بالمشاغل والمواعيد..
 لكن أي مشاغل تحضرعندما يحضر العراق.. وأي مواعيد تريد أن تأخذك إذا كنت تبحث قضية مستقبل وأمن وسلامة العراق مع العراقي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس؟!
 نعم فقد كان العراق حاضراً طيلة الساعات الأربع، وكان الهم العراقي، والوجع الوطني شريك جلستنا الطويلة مع الرجل المهموم بأمن العراق، والموجوع بحب الشعب العراقي بمختلف أطيافه والوانه..
لقد تحدث المالكي في البدء عن إنسحابه من الترشيح، وعن أسباب هذا الإنسحاب، والضغوط الدولية والمحلية التي تعرضت لها كتلة دولة القانون بشكل عام، وشخصه بشكل خاص.. كما تحدث الرجل بقلب دامٍ عن مشروعه الوطني الذي حاول الكثيرون إجهاضه كما قال، إذ لم تزل السكاكين حتى هذه اللحظة تتدافع وتتسابق من أجل نحره.
وللحق فإن المالكي كان صريحاً جداً في هذا اللقاء، فقد قال فيه كل شيء. وربما أرادنا أن نكون شهود عدل على  الظلم الذي لحق به من أقرب الناس اليه، وأن تكون قلوبنا صناديق أمينة لحفظ معلومات مهمة للتأريخ، وللأمانة المهنية والوطنية. إذ ليس كل كلام يقال يصلح اليوم للنشر فثمة كلام قد ينشر الآن، أو بعد سنة، أو عشر، أو قد لا ينشر مطلقاً.. وليس سراً أقوله أن المالكي قال أمس كلاماً في بعضه الكثير من الخطورة، وفي بعضه الآخر الكثير من السرية التي لايجوز لي أو لغيري إعلانها.. وأنا طبعاً هنا لا أقصد أن في كلام المالكي إساءة لأحد لا سمح الله، خاصة وأن الجميع يعرف مستوى أخلاق، وتهذيب دولة رئيس الوزراء نوري المالكي، وإحترامه لكل الشخصيات المتحالفة والمتخالفة معاً، إنما قصدت من ذلك الوقائع التي جرت خلف الكواليس بينه وبين مختلف الفرقاء السياسيين، أو بينه، وبين قادة الدول، والتي تحمل خصوصية سرية..
 ولو أردت بإختصار، أن أنقل للقارئ الكريم إنطباعاتي الشخصية عن حالة الرجل بعد لقائنا به أمس، لقلت كلمتين  فقط، هما : المالكي أسد!!
نعم، لقد خرجت من مكتبه بهذا الإنطباع لا غير.. صحيح أن في وجهه مسحة من الحزن، وفي عينيه خيطاً من الأسى لفرط ما حصل له من ظلم وإجحاف لكنه كان واثقاً من نفسه تماماً.. ولعل ثقته الأكبر كانت بشعب العراق، وبكتلة دولة القانون، كما كان ابو اسراء متسلحاً بتراث النبوة العظيم، وبمآثر آل بيت النبي عليهم السلام في كل كلامه، فقد كان يقول بين جملة وأخرى حكمة للإمام علي بن ابي طالب عليه الصلاة والسلام، أو ينقل قولاً مأثوراً للإمام الحسين عليه السلام، أو يسشهد ببيت شعر لأحد الشعراء المحبين لآل بيت النبي.. أما الإنطباع الأهم فقد كان بحرصه، وتأكيده المستمر على التفرغ لبناء كتلة دولة القانون كي تكون الكتلة الوطنية الكبيرة التي تحقق مطالب الجماهير الشعبية التي انتخبتها، بل وتفرضها أيضاً.. وأذكر أنه علق ضاحكاً على الإشاعات المغرضة بقوله: يقولون أن المالكي باع كل أملاكه في بغداد، وهرب الى قريته في طويريج!!وجوابي أولا: (هوَّ إشعنده المالكي من  أملاك حتى يبيعها؟ وثانياً ليش يرجع المالكي لطويريج.. يعني شني بطل من المسؤولية الوطنية والشرعية والأخلاقية ويريد يگعد..) وأعتقد إنها أمنيات الأعداء وأحلامهم في أن يبطل المالكي!!
   وهنا لا أريد أن أحكي كل ما قاله لنا أبو اسراء في هذا اللقاء الطويل، لكني أقول بصراحة لقد خرجت منه فرحاً، لأنه أولاً منحنا ثقته في أن يقول لنا ما لم يقله لغيرنا.. وثانياً وجدته متفائلاً رغم الجراح القاسية، وثالثاً لم تستطع الأزمة (وكل خيانات الأخوة الأعداء) من أن تنسيه قيمه، ومبادئه، ورفاق جهاده الطويل.. لقد تحدث عنهم بمحبة جميعاً، فقد تحدث مثلاً عن الرئيس معصوم بشكل مذهل، مستعرضاً وطنيته وتأريخه، وجهاده الوطني ضد صدام.. وكأن معصوم لم يكن ذلك العنصر الرئيسي لما تعرض له المالكي من ظلم في قضية التكليف. ونفس الشيء قاله عن الدكتور حيدر العبادي، إذ سأختصر لكم الحديث عنه بجملة واحدة قال فيها المالكي: ( إذا سقط العبادي لا سمح الله، فهذا يعني أن المالكي قد سقط أيضاً.. لأن العبادي هو أبن العراق، وابن المذهب، وابن الدعوة، وابن كتلة دولة القانون، وهو رفيق جهاد وكفاح وطني طويل)!!
 كان اللقاء مع المالكي ممتعاً جداً، فقد خرجنا منه سعداء بعد أن تحدث طويلاً عن العراق، والأزمة، والمستقبل.. كما تحدث أغلبنا له أيضاً عن نظرتنا لمجمل الأمور السياسية والأمنية والإقتصادية.. وبطبيعة الحال، فقد كان الحديث عن الإعلام حاضراً، خصوصاً الدور الإعلامي في معركة المصير مع دواعش الأعداء والأصدقاء!! ..إذن هكذا تكلم المالكي لنا أمس.. وهو كلام مهم لا يفرق قط عن كلام (زرادشت نيتشه) غير أن زرادشت تكلم عن القوة، والإنتصار للخير والحق بواسطة هذه القوة، لفرض ( الأنسان المتفوق) بينما المالكي تكلم عن الدستور، والبرلمان، ورفض إستخدام القوة التي عرضت عليه من قبل بعض القادة العسكريين.. فشكراً للرئيس المالكي، الباقية صلاحيته الوطنية والأخلاقية حتى زوال الدولة..

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان