الإفتتاحية

أربيل.. (وعدالة) الإرهاب!!

فالح حسون الدراجي

 

قالوا إن صدام حسين (عادلٌ) في ظلمه.. أي أنه لم يفرق بين العراقيين في (مكارمه) الدموية.. وقلنا:ـ ليته لم يكن عادلاً في هذا الظلم!!

 

واليوم يمارس الإرهابيون (نفس العدالة) في توزيع الموت على البيوت والشوارع والمدن العراقية.. (رغم إني) أتحفظ على هذا القياس، إذ ليس صحيحاً أن الاعظمية مثلاً تعاني من أحزمة الموت الناسفة بنفس المعاناة التي عَانتها مدينة الصدر، أو الشعلة، أو مدينة الكاظمية.. أو أن مدينة الحويجة تلقت من مفخخات الارهاب نفس الحجم الذي تلقته المدينة المنكوبة طوز خرماتو.. ورغم هذا فإني سأعتبر الارهاب عادلاً، (ومنصفاً) في تقسيماته الدموية تماماً مثلما كان صدام عادلاً ومنصفاً!! أليس الإرهابيون وصدام من (طينة) واحدة.. ونسيج واحد، وجذر دموي متداخل.. وبنية أخلاقية وسايكولوجية واحدة، وتفكير، ورؤى، ونزعة، وهواجس، ورغبات وحشية لا تستريح، ولا تسعد إلا برؤية الدم وهو يتدفق من جسد (الآخر)! إذن! فمثلما كان صدام بالأمس سفاحاً.. ها هم الارهابيون اليوم يمضون على نفس منهجه وخطه ومسيرته الدموية، فلا يفرِّقون بين عراقي وعراقي مادام هذا العراقي لا يؤمن بأفكارهم السوداء.. ولا يميِّزون بين مدينة عراقية وأخرى مثلها، ما دامت هذه المدينة تتنفس كل صباح هواء الحرية، وتشم أريج الحياة، وتتغنى بفيروزيات المحبة.. أما الاستثناء الوحيد عندهم من كل البشر فهو الشخص الذي يؤمن بأفكارهم القاحلة، وطائفيتهم البغيضة.. بينما الإستثناء الوحيد من المدن، فهو المدينة التي ترضى أن تكون جحراً لهم، وخلاءً يفرغون فيه قذاراتهم، وقبل ذلك شرط أن يقدم أهل هذه المدينة بناتهم وفتياتهم هدية مجانية لكلاب الجهاد (النكاحي) فتصبح فيه البنت محظية لوحش لا يفهم من الدنيا سوى القتل والدم والنكاح!!

 

الإرهابيون لا يتوانون عن استخدام مفخخاتهم في أقدس الامكنة، وضد أشرف الناس.. وهم قطعاً لا يفرِّقون في هذا بين اربيل وبغداد، ما دامت اربيل وبغداد ترفضان قذاراتهم.. لذلك فقد حدث ما حدث قبل أيام في مجلس عزاء مدينة الصدر، وحصل ما حصل في مدينة اربيل أمس.. واذا كان الكثير من العراقيين قد فوجىء بإنفجارات اربيل الخمسة، على اعتبار ان اربيل مدينة محصَّنة، ومؤمَّنة، وذات تحوطات واحتياطات أمنية يعرفها العراقيون جميعاً، الا أني لم اتفاجأ بهذه الانفجارات قط.. ليس لعدم ثقتي بالاجراءات الأمنية في اربيل، أو أن هناك عملاء يبيعون ضمائرهم بخمسة (أوراق) مثل جماعتنا لا سمح الله.. ولا أن خطوط أربيل الحدودية مفتوحة كما هي بغداد، إنما لأن الارهابيين هنا وهناك، وفي أي مكان، سفلة وقتلة، يكرهون كل مدينة جميلة، ويمقتون كل شعب محب للحياة، وكل من لا يعمل على فصل (الخيار عن الطماطة لأن جمعهما في سلة واحدة حرام)! ويحقدون على كل من يتعطر، و يرتدي الملابس الأنيقة، أو كل من يسمع تغاريد البلابل، وينتشي بزقزقات طيورالحب، ويحقدون على كل من يحب الشعر والموسيقى (وآخر جگارة بآخر الليل). وعلى كل من يظن أن في حنجرة ام كلثوم معجزة ربانية وليست شيطانية.

 

ولأن اربيل وبغداد وغيرهما من المدن العراقية مدن خلقها الله عطرة، نظرة، جميلة، محبة للخير والجمال والالوان والورود، وقصائد الحب، وعاشقون ايضاً لروعة فيروز، وبحة داخل حسن، وحنجرة حسن سيرت، ولأن أهل هذه المدن لا يؤمنون بفصل الخيار عن الطماطة، ولايتفقون مع القتلة في ان الحياة تافهة، ويجب التخلص منها بأية وسيلة، حتى لو كان انتحاراً (بشيف رگي) لذلك استهدف المجرمون اربيل امس بخمسة انفجارات متتالية.. مثلما استهدفوا من قبل بغداد بألف انفجار.

 

ختاماً اقول: لم يكن صدام عادلاً، سواء في توزيع الظلم، أو في غيره، كما لم يكن الارهاب عادلاً حين ضرب اربيل أمس .. وضرب بغداد أيضاً.. إنما لأن الإرهاب قذر ووسخ وكريه.. وطبيعي أن تجد القذر يكره كل نظيف وحلو، سواء كان كردياً أو عربياً أو (كربياً)!!

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان