فالح حسون الدراجي
سألت صديقاً عزيزاً أثق بوطنيته، وسعة أفقه، ورجاحة عقله، وتحليلاته الصائبة، عن أسباب التدهور الأمني في العراق، وتردي الحالة المعنوية في عموم المدن العراقية، وانهيار الوضع النفسي في الشارع العراقي، حتى باتت ثقته بالدولة، وأجهزة الدولة صفراً على الشمال.. كما سألته عن العوامل التي تجعل شراذم الإرهاب تتفوق على (دولة) حقيقية، تملك من الأموال ما تعجز عن خزنها أكبر بنوك ومصارف العالم.. ومن السلاح ما يكفي لقهر عشر دول في المنطقة، ومن الرجال المسلحين سواء من أفراد الجيش والشرطة والأمن ، أو رجال الصحوات ومجالس الإسناد، ما يكفي لسد الربع الخالي طولاً وعرضاً..؟
فأجابني صديقي قائلاً: إن القضية لاتكمن في المال والسلاح وأعداد العسكر، إنما تكمن في أمر آخر، أمر أجزم أنه لايتوفر اليوم في قواتنا العسكرية، ولا في رجالات دولتنا؟
قلت له: وما هذه القضية؟
قال: إنها (الثقة)، سواء كانت الثقة بالنفس، أو الثقة بالدولة، أو الثقة بالقيادة.. فالجندي الذي لايثق بقدرته الشخصية، ولايثق بوطنية وقدرة وشجاعة قائده، لايمكن له أن ينتصر حتى لو كان خصمه (بزونة) وليس..
قاطعته وقلت: أنا أعرف أن الإرهاب ليس قوياً، ولا جباراً.. ولا إعجازياً.. وأعرف أن الإنتصار عليه ليس مستحيلاً.. لكن خطورته تتحمع في غدره وخبثه، فهو مثل مرض السرطان يأتيك بشكل سري، وناعم، فلا تشعر به إلاَّ بعد أن يكون قد داهمك وفتك بك، لذلك يتوجب عليك مواجهته بالحيطة والحذر والمراقبة بالعين والأذن والانتباهة الواعية -أي بالإستخبارات- وبالتحوط له بشكل تام.. قال صديقي: وهناك مثل آخر، أود أن أضربه لك قد لايقل قرباً عن المثال الذي ذكرته أنت.. وأعني به الفيضان.. فالإرهاب برأيي مثل الفيضان.. ومواجهته تستدعي من الجميع التكاتف، والتعاون لصده.. فالعراقيون الكبار في السن يتذكرون فيضان عام 1956، حيث لم تستطع كل مؤسسات الدولة وقتها من إيقاف خطره الممتد نحو بغداد، لذلك عمدت القيادة آنذاك الى بناء سدة ترابية كبيرة جداً، وقطعاً فإن الجيش لا يستطيع لوحده تشييدها، لاسيما وإن الماء الغاضب على أبواب المدينة.. لذلك هرعت كل شرائح الشعب للتطوع مع القوات المسلحة من أجل بغداد وامن بغداد.. وثق ياصاحبي لو أن جميع العراقيين هرعوا لحماية بلادهم وتعاونوا على ردع الإرهاب لما تجرأ حاقد واحد على التقرب من دماء العراقيين..قلت له: ولماذا يتكرر العمل الإرهابي في مدينة واحدة مثل بغداد عشر مرات أو أكثر كل يوم دون معالجة جادة وصريحة.. ولماذا لا ينهض جيشنا مثل الجيش المصري لصد الإرهاب.. وما الفرق بين قادة جيشنا وقادة جيش مصر؟
ضحك صديقي وقال: قادة جيش مصر مشغولون بمهنيتهم العسكرية، ومخبوصون بأمن بلادهم.. بينما قادة جيشنا الكبار مشغولون بصبغ شواربهم!!