الإفتتاحية

أيهما أخطر؟ فيروز.. أم ظافر العاني!

يعاتبني (صديقي) في رسالة بعثها لي -على الخاص- على نشري بعض أغنيات فيروز وميادة الحناوي وعبد الحليم حافظ، في حسابي الخاص بالفيس بوك، لاسيما في أيام الجمعة المباركة، وهو أمر لا يوده، ولا يتمناه لي، خاصة وأنه (يحبني جداً، ويحب كتاباتي السياسية، رغم اختلافه معي في بعضها!! وأنا لا أتمنى، ولا أريد قطعاً أن أفقد صديقاً (يحبني جداً جداً) ولا أود أن أخسر قارئاً (يحب كتاباتي السياسية رغم اختلافه معي في بعضها). إذ ليس هناك كاتب مجنون يرضى بفقدان صديق، وقارئ مثل هذا الصديق الجميل. وكي لا أفقده، أتمنى عليه أولاً، أن يفهم الحقوق المشتركة التي نملكها معاً. بمعنى أن يكون الفهم متبادلاً بيننا، فأفهم وأعي وأحترم حقوقه كقارئ عزيز (يحرص على قراءة ما أكتب)، وأن يفهم هو ايضاً حقوقي ككاتب، وإنسان، له رؤى، وأفكار، وهوامش، وخصوصيات، ربما تختلف مع ثقافته وميوله وأصوله ورؤاه المتعددة، بعيداً عن أن أفكاري هذه ستعجبه، أو لا تعجبه!! لكن الذي يتوجب عليه فهمه دائماً، هو أن هناك قراءً غيره قد تعجبهم هذه الرؤى.. وهي في كل الأحوال أفكاري (أنا) وليست أفكاره (هو)، أو غيره.

وعندما نتوصل الى هذا الفهم المكتنز بالاحترام للآخر، سيصبح موضوع نشر أغاني فيروز أمراً طبيعياً وعادياً جداً، بالنسبة له، أو لغيره من الناس. وحول موضوع اختلافنا في الغناء، فإني أود أن أقول لصديقي العزيز، أني أبدأ صباحي كل يوم، سواء أكنت موجوداً في العراق، أم في أمريكا، أم في موزمبيق! بتلاوة من القران الكريم، واحب سماعه بصوت القارئ المذهل عبد الباسط عبد الصمد، ثم أنتقل الى الفقرة الثانية، فقرة الجمال الفيروزي، فأسافر معها الى بساتين الروعة، ولا أعود منها الاَّ بعد أن أستحم ببحر الياسمين، الذي تغرقني فيه هذه السيدة المدهشة. بعد ذلك تأتي الفقرة الثالثة، أي فقرة الأخبار، فأخصص لها ساعة كاملة أتجول فيها بين محطة ومحطة دون أن أتحدد بجهة إخبارية معينة، بعد ذلك أمضي الى الأنترنيت، فأتابع فيه ما يخص عملي المهني..

 لقد عرضت صباحات أيامي بما فيها، وقصدي من ذلك، إيضاح جدول صباحي اليومي، الذي يبدأ من سماع القران الكريم، وشعوري بالطمأنينة، والسكينة التامة، الى سماع فيروز، التي يسميها الشاعر الكبير أنسي الحاج -لملائكية صوتها- وقربه من السماء (الرسولة). فصوت فيروز عندي يمثل صدى نقياً لكل ما في الدنيا من جمال وسلام وحب وقدسية إنسانية، وقد كانت فيروز متعاطفة مع القضايا الوطنية والقومية رغم ابتعادها عن الشؤون السياسية فمثلا -وهي المسيحية- كانت مناصرة للمقاومة الاسلامية في الجنوب اللبناني، ولها أغان واناشيد تدعو للحرية والتحرير من الاحتلال الاسرائيلي، وفي هذا الصدد نتذكر التصريح المدوي الذي أطلقه ولدها (زياد) عبر إحدى القنوات الفضائية حين قال بالنص: أمي تحب (السيد حسن نصر الله) قائد موكب التحرير. 

  كما أن ثمة شخصيات دينية وسياسية وعلمية كبيرة تستمع لفيروز ومثال على ذلك، العلامة السيد محمد حسين فضل الله، حيث يقال -وأنا لست متأكدا من ذلك- أنه كان يسمع فيروز أحياناً.. 

 أما أنا، فقد كان حبي الكبير لفيروز، يدفعني لأن أهدي بعض أغنياتها لمن أحبهم، متمنياً لهم سماعها مثلي. ونفس الإحساس أجده في صوت ميادة الحناوي، وعبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، وداخل حسن، وغيرهم من قمم الغناء الباهر..

البعض يقول أن الغناء حرام. وأنا أصمت دون تعليق، لأني لست متديناً، ولا متفقهاً في علوم الدين، بل ولا أحب التدخل في القضايا الفقهية، فأنا أغرد على أغصان شجرة أخرى، شجرة الجمال التي لا تعنى بغير الجمال، تاركاً لأهل الاختصاص الفقهي المحترمين تقدير وتمييز مناطق الحلال عن الحرام، خاصة وإن هذه المناطق هي محل اختلاف دائم في أدبيات، وعقائد دينية ومذهبية عديدة. لكني أمتلك هنا حق السؤال، وأقول لأهل الشأن، من وجهة نظر جمالية لا فقهية: أيجوز مثلاً أن يكون ظافر العاني، بكل ما فيه من قبح، وما يملك من وسائل شريرة، وعقيدة تدميرية، وكراهية غريبة للآخرين، وحقد على أبناء شعبه، وتحريضه المستمر على القتل والذبح، حلالاً زلالاً، فيقول ما يقول، ويسمعه الناس بيسر، بينما تكون فيروز، بصوتها الذي يدعو ليل نهار الى الحب والسلام والتآخي، ونبذ الحرب، وقبر الكراهية، حراماً.. وكفراً..؟!

 إنه سؤال خال من المقاصد، والنوايا السيئة، فلديَّ ألف أغنية لفيروز، تدعونا فيها للحب والسلام، ولديَّ في المقابل ألف تصريح لظافر العاني، يدعو فيه الناس للتدمير، والكراهية، وقتل (الآخر)!! فمن الأخطر علينا يا صديقي؟ فيروز أم ظافر العاني!

قد يهمك أيضاً