فالح حسون الدراجي
ما إن أعلن الرئيس األمريكي دونالد ترامب، عن ترشيح توليس جابرد ملنصب رئيسة
االستخبارات الوطنية األمريكية حتى اصطخبت قاعات الكونغرس األمريكي،
وضجت املؤسسات االستخبارية واإلعالمية باألسئلة التي تبحث عن اجوبة ومربرات
لهذا القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بدون أية مقدمات.. فهذه املرأة الهندوسية
الحسناء تختلف عن ترامب بعرشات االختالفات السياسية والثقافية والشخصية
ً تقدمية
ً عن التناقض الكبري بينهما يف العقيدة والقيم ..فهي مثال
والعقلية، فضال
الهوى، ويسارية التفكري، ومن أشد املؤيدين للسناتور )اليساري االشرتاكي( بريني
ساندرز ، بل هي أقرب املقربني ألفكار ساندرز..يف حني أن ترامب يميني، رأسمايل
رصف، ال يحرتم األفكار والنظريات وال يقر، أو يتأثر باأليديولوجيات السياسية أو
املعتقدات الدينية.. فهو كما معروف عنه، رجل ال يفهم غري منطق الربح والخسارة،
وال يقيس األشياء إال بذات املقياس التجاري الربحي .. لذلك كان قراره باختيار
ً
)توليس جابرد ( لهذا املنصب، إحدى أكرب املفاجآت املدهشة يف واشنطن، وطبعا
فإن هذه الدهشة لم تكن ناتجة عن قصور بإمكانات وقدرات جابرد العسكرية
،ً فاملرأة عسكرية محرتفة برتبة عقيد، ولها خربة واسعة، حيث سبق
واألمنية ابدا
وأن خدمت يف وحدة طبية عسكرية ميدانية يف مواقع قتالية يف العراق من 2004
ً إىل الكويت من 2008 إىل ..2009كما كانت
ً ( أيضا
ُ ِرسلت ) عسكريا
إىل 2005 وأ
ً يف الكونغرس األمريكي، لكن السبب الرئيس يكمن كما يقول خصومها يف
نائبا
مواقفها السياسية الجريئة والرصيحة التي تتناقض مع مقتضيات هذا املنصب
الرسي املهم والحساس، ال سيما وأن منصبها هذا سيضعها مسؤولة عن 18 وكالة
أمنية واستخبارية عسكرية ومدنية يف الواليات املتحدة، بما فيها وكالة املخابرات
،ً وتحت
األمريكية )اليس آي إيه(، وسيكون تحت إمرتها حوايل مليون موظفا
ترصفها اكثر من تسعني مليار دوالر أمريكي..!! كما سيتيح لها هذا املنصب تقديم
امللخص األمني األمريكي والدويل اليومي للرئيس ترامب..
أما السبب الثاني يف دهشة واستغراب الكثري من املعنيني فيعود إىل انها كانت تنتقد
،ً مثل انتقادها له بعد موافقته عى شن الغارة الجوية عى مطار بغداد
ً ترامب كثريا
ً حربيا
الدويل عام 2020 )والتي قتلت الجنرال قاسم سليماني( حيث اعتربته عمال
ًا للدستور األمريكي بسبب
ً من قبل الرئيس األمريكي دونالد ترامب وانتهاك
عدوانيا
عدم حصوله عى تفويض من الكونغرس لهذا العمل.. وهناك مواقف عديدة لهذه
السيدة أثارت فيها الكثري من الجدل داخل األوساط السياسية والنيابية األمريكية،
من بينها املقابلتان العلنيتان اللتان أجرتهما جابرد مع الرئيس بشار األسد خالل
رحلتها إىل سوريا يف ،2017 واجتماعها معه لساعة ونصف، ثم التقت به مرة ثانية
بعد يومني واستغرق اللقاء نصف ساعة.. وقد ردت وقتها عى منتقديها بقولها :
ً للواليات
ً فعليا
ً لنا، وعلينا النظر إىل من يشكل تهديدا
” إن بشار األسد ليس عدوا
املتحدة، وكيفية مقارنة مصالح الدول األخرى بمصالح الواليات املتحدة“.
كما قارنت جابرد لقاءها مع األسد بلقاء ترامب مع كيم جونغ أون، رئيس كوريا
الشمالية..!
ً نقلت
ً بأن الحملة ضد لقاء جابرد باألسد لم تتوقف حتى هذه اللحظة، فمثال
علما
صحيفة الواشنطن بوست عن تشارلز ليسرت، مدير برنامج سوريا يف معهد الرشق
األوسط قوله: ” إن الرحلة كانت فضيحة يف ذلك الوقت، وال تزال كذلك إىل اليوم“.
وقال ليسرت ايضا:“ إن رفضها االعرتاف بجرائم نظام األسد، وإعالن شكوكها بشأن
مزاعم استخدام األسد لألسلحة الكيماوية ضد املدنيني يف خان شيخون، وقولها إن
محاكمة األسد يف املحكمة الجنائية الدولية ستتطلب جمع األدلة من مكان الحادث،
فهل لدينا األدلة؟ أشك يف ذلك.. !!
هو كالم اليمكن أن يصدر من مسؤول أمريكي .
يف حني أن النائبة أبيغيل سبانربغر – وهي ضابطة سابقة يف املخابرات األمريكية-
أعلنت عى منصة إكس قائلة إنها ”تشعر بالرعب“ من قرار ترامب. وأضافت: ”إن
جابرد ليست فقط غري مؤهلة أو مستعدة بل وتتداول يف نظريات املؤامرة وتتقرب
من الديكتاتوريني مثل بشار األسد وفالديمري بوتني“ و ”بصفتي عضوا يف لجنة
االستخبارات يف مجلس النواب، أشعر بقلق بشأن ما يمثله هذا الرتشيح عى أمننا
القومي.“
ومن ضمن الحملة ضد جابرد ومحاولة منعها من الحصول عى املنصب، يأتي
اتهامها بلقاء مسؤول كبري يف حزب الله اللبناني، حيث ذكرت صحيفة ”نيويورك
تايمز“ أن جابرد التقت بمسؤول كبري يف ”حزب الله“ اللبناني عام 2017 ، أي بعد
ً حني كانت عضوا يف مجلس النواب األمريكي..
لقائها باألسد مبارشة، وتحديدا
ووفقا ملسؤولني مطلعني عى املعلومات االستخبارية كما تقول الصحيفة، فإنه
بعد وقت قصري من زيارتها لسوريا ولبنان، اعرتضت وكاالت التجسس األمريكية
مكاملة هاتفية بني اثنني من أعضاء ”حزب الله“ بخصوص جابرد.. وكان
التسجيل متعلقا بأحد أعضاء ”حزب الله“، الذي أفاد بأن جابرد التقت بشخص
وصفه ”الرئيس“ أو ”الرجل الكبري“. ولم يذكر اسم ذلك الشخص يف االتصال،
مما أثار بعض التكهنات بني مسؤويل املخابرات األمريكية حول احتمال ان يكون
الشخص املشار إليه زعيم الحزب نفسه، أو ربما نائبه ”.
ً قوية ترضب هذا االتهام وتضعف
انتهى ترصيح الصحيفة األمريكية، لكن شكوكا
من مصداقيته يف األوساط األمريكية .. ورغم هذه الحملة القاسية ضد جابرد فإن
ثمة من يسجل لها وقوفها القوي ضد ما يسمى باإلرهاب اإلسالمي، خاصة خالل
ً ضد تنظيم القاعدة وفروعه
ً قويا
فرتة وجودها بالكونجرس حيث اتخذت موقفا
مثل جماعة الجوالني .. حتى أنها انتقدت يف ظهوراتها عى قناة فوكس نيوز بني
عامي 2013 و،2017 الرئيس أوباما بسبب رفضه اإلشارة ملعتقدات تنظيم القاعدة
وداعش واإلرهاب عى أنها ” تطرف إسالمي ” !!
ويف مقابلة لها عام 2015 مع وولف بليتزر من شبكة يس إن إن ، انتقدت جابرد
إدارة أوباما ”لرفضها“ القول إن العدو الحقيقي للواليات املتحدة هم املتطرفون
اإلسالميون ورعاتهم الوهابيون املتشددون“.
ولعل املفاجأة الكبرية التي فجرتها جابرد يف األسبوع املايض كانت عندما استجوبها
مجلس الشيوخ االمريكي قبل املصادقة عى تعيينها .
:ً ” لقد قلت يف مقابلة عام:201 ”الواليات املتحدة
حيث سألها السيناتور كييل قائال
ً تقدم دعم ً ا مبارشا وغري مبارش للجماعات اإلرهابية من أجل اإلطاحة بالحكومة
السورية“ ويف عام ،2019 خالل مناظرة املرشحني الديمقراطيني للرئاسة، قلت
عن الرئيس ترامب: ”هذا الرئيس يواصل خيانتنا.. فهو ال يالحق تنظيم القاعدة بل
يدعمه،
لذلك، أود أن أعرف ما كان هدفك من قول هذه األمور؟ وهل فكرت قبل قولها يف
دوافع إيران وروسيا، وما قد تكون قبل اإلدالء بهذه االدعاءات؟
ً
ً التحق بالخدمة العسكرية خصيصا
فأجابت جابرد : ايها السيناتور، كوني شخصا
بسبب هجوم القاعدة اإلرهابي يف 11 ّ سبتمرب، فقد كرست حياتي لفعل كل ما
بوسعي لهزيمة هؤالء اإلرهابيني. لذا كان من الصادم والخيانة يل ولكل من قتل يف
11 ُ سبتمرب، وإلخوتي وأخواتي يف الجيش، عندما علمت ً ، بصفتي عضوا بالكونغرس،
عن الربامج الرسية التي بدأها الرئيس أوباما لإلطاحة بالنظام يف سوريا حيث كانت
الواليات املتحدة تعمل مع تنظيم القاعدة وتسلحه وتدعمه من أجل اإلطاحة بذلك
النظام، ما أدى إىل إشعال حرب تغيري أنظمة أخرى يف الرشق األوسط.
ً يف عهد الرئيس أوباما، فقد تمت
أما برنامج وزارة الدفاع )DOD )الذي بدأ أيضا
دراسته عى نطاق واسع، وأثبت أنه أدى يف النهاية إىل إنفاق أكثر من نصف مليار
دوالر لتدريب من وصفوا ب“املتمردين املعتدلني“، لكنهم يف الواقع كانوا مقاتلني
يعملون مع القاعدة أو تابعني لها عى األرض يف سوريا، وكان من الواضح وقد
ثبتت صحته لألسف-أن حرب تغيري النظام يف سوريا، ستؤدي إىل صعود املتطرفني
ً ال أذرف الدموع عى سقوط نظام
اإلسالميني، مثل القاعدة، إىل السلطة. أنا طبعا
األسد، ولكن اليوم، لدينا متطرف إسالمي يحكم سوريا، هذا الشخص نفسه قد
احتفل يف الشوارع بهجمات 11 سبتمرب، وكان قد حكم إدلب بنظام متشدد، وبدأ
اليوم بالفعل يف اضطهاد وقتل واعتقال األقليات الدينية، مثل املسيحيني وغريهم يف
سوريا ..!