فالح حسون الدراجي
قرأت لأحد الأصدقاء مقالة يتهم فيها جريدة الشرق الأوسط بالغباء لأنها نشرت بياناً كاذباً ادعت فيه أن منظمة الصحة العالمية أصدرته، ويتساءل الصديق في مقاله متعجباً، وهو يقول:
(أي غباء هذا من جريدة بحجم جريدة الشرق الأوسط، وأي خلل في تفكير إدارتها.. ولا أعرف كيف فات الأمر عليها، وهي الجريدة الأولى في البلاد العربية، وكيف ترضى أن تنشر هكذا قصة، وهي تعلم جيداً أنهاغير صحيحة بالمرَّة، وأن عرض هذا الموضوع بهذه الطريقة المبتذلة، فيه إساءة كبيرة لمعتقد محترم ومهاب، ومقدس. فالأمر حساس جداً، ولا أظن أنه سيمر مرور الكرام على عشرات الملايين من المسلمين العراقيين -شيعة وسنة -.. وحتماً أن لهذا الغباء ثمناً باهظاً ستدفعه (الشرق الأوسط) من رصيدها المهني والأخلاقي.. )!!
نقلت لكم مختصراً لمقال الصديق العزيز، وانا أتفق معه في أكثر من موقع، لكني أختلف معه في الثيمة الرئيسية، وأقصد بها ثيمة (الغباء) الذي رماه صديقي في مقاله هذا على أكتاف جريدة (الشرق الأوسط) وهي من الغباء براء! ربما يسألني صديقي، ويقول: كيف لا يكون الأمر غباءً، والجريدة غبية، وهي ترتكب مثل هذه الغلطة الكبيرة؟!
وجوابي: أن جريدة (الشرق الأوسط) ارتكبت فعلتها بحق ملايين الزوار والزائرات في أربعينية الإمام الحسين وهي بكامل وعيها وإدراكها، وعن سبق إصرار وتعمد أيضاً.. فالنشر لم يكن عملاً ارتجالياً أو متسرعاً، إنما كان مخططاً له بعناية، ومدروساً بعناية أيضاً..
وهو لعمري جزء من آلية وسلوك وعقيدة وقيم، وأخلاق، وفكر القائمين على هذه الجريدة. فالعقيدة التي تدرِّس، وتخرِّج أسامة بن لادن، (وأبو مصعب الزرقاوي)، والبغدادي، وأيمن الظواهري، وغيرهم من القتلة السفلة، لا يصعب عليها أن تخرِّج مسؤولاً سافلاً لجريدة، يمرِّر بياناً فيه اساءة لمحبي آل البيت. ويقيناً أن العقيدة التي تدفع وحوشاً لضرب الأطفال في اليمن بالصواريخ، أو لرمي النساء والشيوخ بالطائرات المجنونة، لا تشعر بأدنى حرج حين توجه آخرين يشبهونهم الى رمي النساء الزائرات ببيان كاذب.. فالعقول التي تنتج فكراً وسخاً بحجم وساخة ابن تيمية، تستطيع أن تنتج (فِرية) وسخة كفرية البيان المزعوم!!
أنا أجزم أن جريدة الشرق الأوسط خططت، وتدارست، ومهدت، وانتظرت المناسبة لترمي ما في عقلها، وجوفها من سموم وأحقاد وقيح وقبح، وقصدها واضح، ولا أعرف كيف فات الأمر على الكثير منا. فالجريدة اللعينة تعلم انها ستضرب ببيانها الكاذب ما يشبه القنبلة الهايدروجينية، وستحدث دوياً هائلاً في العراق والمنطقة، وسيصل دخان هذه القنبلة الى مختلف عواصم العالم، لذلك تراها سعت الى إشغال العالم عن ما يتحقق في العراق وسوريا من انتصارات، لا سيما في مثل هذه الأيام (الأخيرة) من عمر داعش في الموصل والرقة.. وكلما كان الدوي واسعاً وكبيراً، كلما كان الصدى واسعاً وكبيراً، فينشغل الناس بالصوت والدخان عن بطولات فرسان العراق، وأبطال سوريا ولبنان واليمن.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فهي تعلم جيداً أن الرقم السنوي لعدد زوار الأربعينية في تصاعد، ومن الممكن أن يصل الرقم هذا العام الى أعداد خرافية، ناهيك عن الأعمال العظيمة التي تصاحب الزيارة المقدسة، فأراد السعوديون، وعملاؤهم (الشرق أوسطيون) إلهاء العالم عن رؤية هذه الأعداد، وهذه الأعمال، فتغري المسلمين الآخرين في مشارق الأرض ومغاربها للمجيء في العام القادم.. فتصبح مصيبة آل سعود مصيبتين.. وحدة بنصر الابطال.. وحدة اعله الحسين !!
أما الزميلان معد فياض وحمزة مصطفى، فهما بريئان من هذه التهمة تماماً.. وقد أعلنا براءتهما، واستنكارهما عبر الكثير من وسائل الإعلام.. فالقضية كما معروف مرسومة في دوائر المخابرات السعودية في الرياض، ومطبوخة في مطابخ الشرق الأوسط في لندن، والقرار بما فيه، صادرٌ من خارج أبواب المسؤولين عن تحرير الجريدة.. اللهم إلاَّ رئيس تحريرها الذي أقيل أمس، فهو شريك في الجريمة، لكنه ليس المسؤول الأول عنها، وما إقالته يوم أمس، وقبلها إقالة مراسل الجريدة في بغداد، وكذلك رفع الموضوع المنشور من موقع الجريدة، إلاَّ محاولات لرتق الفتق، أو الشق الكبير الذي كان أكبر من رقعة السعودية!!
الخلاصة: إن جريدة الشرق الأوسط فشلت فشلاً ذريعاً بما فعلت، فالزيارة نجحت نجاحاً كبيراً، والتنديد ببيان السعودية المسيء كان عالمياً، وليس محلياً، أو إسلامياً فقط .. والعراقيون اليوم ينتصرون في معارك التحرير، وأعوان السعودية هربوا في معارك حلب.. بينما أبطال اليمن نقلوا معركتهم الى العمق السعودي..
والآن فقط أقول: كانت جريدة الشرق الاوسط غبية.. أما قبل نشر البيان العار، فلم تكن كذلك قط !!