الإفتتاحية

الفن ثقافة .. يا معالي الوزير ..!!

لأسباب عديدة، قطعتُ حبل الوصل مع وزراء  الحكومة العراقية، وفقدتُ الثقة بهم، مع أن لي فيهم أكثر من صديق، وأخ عزيز، بعد أن وجدت أن أغلبهم لا تسمع توجيهاته اليوم، ولا تطاع أوامره من قبل مرؤوسيه، فلماذا إذاً نكتب المقالات ونرفع المناشدات إذا كان المعالي لايُطاع له أمر؟ 

فعلى سبيل المثال، كنت قد توجهت قبل أكثر من سنة ونصف تقريباً الى معالي وزير الثقافة فرياد راوندزي بمقال افتتاحي لجريدة الحقيقة، ناشدته، فيه بتصحيح قرار خاطئ، كان قد أصدره دون حق وكيله فوزي الأتروشي ضد عدد من موظفي دار الأزياء العراقية، وقد طلبني معالي الوزير وقتها الى لقائه بعد أن قرأ المقال. وللحق فقد مضيت لمقابلته وأنا سعيد جداً، ليس لأني سألتقي بوزير الثقافة العراقي في عهد الديمقراطية الجديد الذي ركضنا خلف سرابه طويلاً فحسب، إنما لأني سأعالج قضية مواطنين ومواطنات عراقيين مظلومين، ظلمهم نزق أحد المسؤولين، وأوجعتهم مراهقته العمرية، والمناصبية.. ولا أخفي عليكم، فقد كانت سعادتي الأكبر عندما وجدت وزيراً عراقياً يقرأ ما نكتب ويسمع ما نريد، وبالفعل فقد استقبلني معاليه بمودة كبيرة، فكان فخري به كبيراً أيضاً، كيف لا أفخر، وأنا أجلس قبالة رجل يملك تاريخاً مهنياً، ونضالياً، وسياسياً مشرفاً؟

وبعد لقاء امتد لأكثر من ساعة، غادرت مكتبه، وأنا فرح للغاية، خاصة وأن الرجل وافق مسبقاً على إعادة الموظفين الى موقعهم في دار الأزياء العراقية، ولشدة ثقتي بمعاليه، وما تحدث لي به فقد اتصلت حالاً بأحد المعنيين بالموضوع، وأبشرته بموافقة الوزير على إعادتهم لمكانهم. 

ومنذ سنة ونصف تقريباً حتى هذه اللحظة لم يعد الموظفون المعاقبون ظلماً الى موقعهم، كما لم ترسل لي الوزارة أي توضيح حول القضية، رغم أن معاليه أبلغ موظفة المكتب أمامي بتصحيح القرار الذي أصدره وكيله. وقد قمت حينها بتقديم اسماء الموظفين لموظفة مكتبه حسب طلبها.

والسؤال الذي لا بد منه: ( إذا أنت تعرف أوامر الوزراء لا تنفذ في وزاراتهم، ولا تطاع من قبل مرؤوسيهم، ليش ترجع تخاطبهم مرة ثانية، وليش تحرج نفسك أمام الناس)؟!

 والجواب: أن قضية اليوم تتعلق بفنانين عراقيين أحترمهم جداً، وأحبهم جداً، وهم أيضاً مظلومون جداً، ولا يهمني -إن نجحت في ايصال مشكلتهم الى أصخاب القرار- ما سيحصل لي من حرج بعد ذلك، فأنا لا استطيع أن أتغافل عن حقوقهم، فالأحبة الذين قصدوني اليوم بمعاناتهم، ومشكلتهم هم أصدقاء وزملاء مبدعون، وهم أصحاب حق، ولهم حقوق في عنق هذه الوزارة الجاحدة.. فوزارة الثقافة هي كما يفترض، وزارة الأدب والفن والذائقة والجمال، وليست وزارة معنية بلون، أو جنس أدبي معين، وعلى هذا الأساس يتحتم على السيد راوندزي أن يقف الى جانبهم ويسندهم بما يقدر، فهم أعطوا وبذلوا، وقد جاء الدور لكي نعطيهم بعض حقهم. وإذا كان السيد المدير الأسبق لدائرة الفنون الموسيقية قد ظلم هؤلاء الفنانين، فالحق يفرض على معالي الوزير إنصافهم، ولا يجوز أن يستمر الظلم حتى اللحظة. 

أمامي الان قائمة بالأسماء المبدعة والمنتجة في الحقل الموسيقي العراقي، لأكثر من ثلاثين عاماً، حيث قدمت الكثير من العطاء الجمالي، والوطني، والإنساني، وأغلبها من أصحاب التخصص الأكاديمي في الموسيقى العراقية الرصينة، فهناك الفنان الجميل مالك محسن، رفيق الفنان الكبير كاظم الساهر في رحلته الفنية والدراسية والإبداعية الطويلة، والملحن قاسم ماجد الذي أعطى أكثر من مائة لحن عراقي صبها في حناجر الكبار والشباب، بدءاً من سعدون جابر، وليس انتهاء بالفنانين ياسين سلامة، وفيصل حمادي، وعبد فلك، وغيرهم. وهناك المبدع الموسيقي والتلحيني البارز حسن فالح، وثمة أسماء إبداعية كثيرة لم تنل حقها من هذه الوزارة، جاءت لتعرض مشكلتها أمام الرجل الأول في الوزارة، خاصة وأن هناك درجات وظيفية في الوزارة، وقد أوعدوا بها منذ فترة، وانتظروا صدور القائمة الأولى دون جدوى، ثم القائمة الثانية التي لم تضم اسماً واحداً من أسمائهم، والمصيبة أنهم جميعاً ذوو شهادات بكالوريوس في الموسيقى، بينما بعض الذين ظهرت أسماؤهم في القائمتين لا يملكون أدنى تحصيل، بل أن بعضهم لايفك الحرف إلاَّ (بالشافعات)، لكن لديه (ما يفك الجيوب)!! 

 ولا أعرف كيف تمنح الدرجة الوظيفية الى (الطالب) الذي لم يزل على مقاعد الدراسة، والذي لا يملك أي منجز موسيقي، أو إبداعي، بينما يهمل طلب (الأستاذ)، الذي تفتخر به منجزاته الفنية والموسيقية الرصينة والمشرفة !!

ارجو أن يقرأ وزير الثقافة المناضل الوطني فرياد راوندزي مقالي هذا، ويتمعن به جيداً، فهذا أول الغيث، ثم ينهمرُ .. متمنياً أن ينفذوا أمر معاليه هذه المرة إذا تكرم بتعيين هذه الكوكبة المبدعة!

قد يهمك أيضاً