في الذكرى الحادية والستين لانتصار ثورة الحفاة والمحرومين والمضطهدين والكادحين والمهمشين الحقيقيين، ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، سينهض الزعيم الفذ عبد الكريم قاسم من خلوده الأبدي، ليتجول في شوارع بغداد، فيمر أولاً على شارع الرشيد، لأن لهذا الشارع في خاطر الزعيم وقلبه ذكريات متنوعة.. ليتذكر في مروره العطر تلك الجماهير الشعبية التي كانت تقف على جانبي الشارع، لتحييه وتسلم عليه بحفاوة وحب حقيقيين، وتهتف باسمه الجميل بقوة، دون أي قصد، أو مصلحة، أو تدبير من جهة ما.. ثم يتذكر في هذا الشارع محل (حجي زبالة)، حيث كان يتوقف أحياناً عنده ليشرب مع مرافقه (الوحيد)، وسائقه (الوحيد) أقداحاً من شربت الزبيب الفاخر الذي اشتهر به هذا المحل البغدادي الأصيل. كما يتذكر الزعيم الليلة صاحبه (أبو عربانة الشلغم)، الذي كان يقف بالقرب من حافظ القاضي، فيخرج له الزعيم يده ليسلم عليه يومياً، وهو يذهب، او يعود من الوزارة.. وحين يمر من وزارة الدفاع، سيتذكر الزعيم حتماً صمود تلك الباقة العطرة من الأبطال الذين ثبتوا معه في التصدي لانقلاب شباط الأسود، مثلما ثبت أصحاب أبي عبد الله في واقعة الطف، فالحق حق والباطل باطل، أينما حلَّ وصار. نعم سيتذكر الزعيم تلك الساعات التأريخية التي لن تنسى، حين تصدى قبل خمسة عقود مع الأبطال الميامين؛ عبد الكريم الجدة، وطه الشيخ احمد، ووصفي طاهر، وفاضل عباس المهداوي، وكنعان حداد، وغيرهم من الأبطال، مسنوداً بتأييد حشود الجماهير الشعبية الذين كانوا يقفون مقابل وزارة الدفاع بقيادة الشهيد البطل سلام عادل، لكنهم للأسف كانوا عزلاً عن السلاح. وسيتذكر (أبو دعير) بألم وفخر معاً، تلك المواقف الباسلة لمن قاتل معه في واقعة الدفاع الأليمة حتى الشهادة.. كما سيتذكر في رأس القرية بهذا الشارع التأريخي (شلة السيبندية والهتلية البعثية) التي لبدت له في الطريق، وصوبت له طلقات الغدر المرعوبة والخائفة من بنادق بورسعيد (الناصرية)، ويقال أن صدام حسين كان واحداً من هذه الشلة المنحطة.. لكن الله حمى الزعيم، فأفشل عدوانهم الغادر..
سيمضي الزعيم الى غرفته الصغيرة في الوزارة، وربما يستريح قليلاً على تلك (القريولة) البسيطة، التي صدئت وتراخت مشبكاتها، ولم يستبدلها الزعيم طيلة السنوات الأربع التي كان فيها رئيس وزراء في الحكومة العراقية!!
آه.. كما سيتذكر زعيمنا وحبيبنا الليلة، خاصة وأن الليلة هي عيد الثورة.. يعني عيد المنجزات الجديدة، والمشاريع الضخمة، فكم من مشروع جديد اكتمل سيفتتحه عبد الكريم بيده النزيهة المباركة! وكم من حجر جديد سيضعه أساساً لمشاريع جديدة تخص، وتخدم الفقراء المحرومين!
وماذا سيتذكر الزعيم حين ينهض من خلوده، ويتجول على قدميه في شوارع بغداد، كشارع الجمهورية مثلاً، فهذا الشارع كانوا يسمونه شارع الزعيم، وفي هذا الشارع رفعت الجماهير سيارة قاسم على أكتافها..
وطبعاً سيزور الزعيم مناطق الشاكرية، والميزرة، والعاصمة، وكمب الصليخ، وشطيط، ويلتقي بأحبته، وعشاقه، فيبشرهم بمدينة الثورة التي تنتظرهم، ويوعدهم وعده المعروف، الذي تثق به الجماهير، سيوعدهم بحياة مشرقة وزاهية وجميلة رغماً عن أنف الإستعماروالرجعية
وبالمقابل سيحتضنه الناس كالمعتاد، وسيرفعه المحبون -وما أكثرهم- على الأكتاف، وسيرد لهم الزعيم التحية، ويرفع يده المباركة للمحتفين بقدومه مثل كل مرة يلتقيهم فيها.. فينطلق الهتاف الغنائي الصادق..
(عبد الكريم كل القلوب تهواك.. عبد الكريم رب العباد يرعاك)، أو ذلك الهتاف القوي الواثق:
(ماكو زعيم إلاَّ كريم)!! وهنا يقف الزعيم بطوله الحلو، ليلقي خطاباً قصيراً بأسلوبه المُحبب للعراقيين الشرفاء، والمستفز لكلاب الإستعمار والرجعية..
أيها العراقيون..! مثلما رأيتم (الزعيم) الخالد في القمر قبل ستة عقود، سترونه الليلة في قلوبكم البيض، وسيهنئكم بنفسه بذكرى انتصار الثورة، وسيوعدكم، ويبشركم أيضاً، بالإنتصار الحاسم لجيشكم الباسل، وحشدكم العظيم على جحوش الشر الداعشي، والبعثي، والوهابي، والمدري شنو بعد -وأنتم تعرفونه- وجميع الأعداء الطايح حظهم.. فنسترعي لذلك الإنتباه!!