كاظم حميدي
ثمة حكايات تتناقلها الشعوب يحسبها البعض أساطير وخرافات، لكن من الممكن أن تضرب جذورها في الحقيقة أو تختص بماوراء الطبيعة. وعلى سبيل المثال هناك حكاية تناقلتها الأجيال والسكان المحليون حول جبل في جنوب ايران يسمى (عربون) وله حكاية عجيبة وهي كما يلي:
كان في قديم الزمان قاطع طريق (لص) يسمى (عربون) و كان قد شيد قلعة (حصن) فوق أعلى الجبل، وعاش مع عائلته ورفاقه فيها، حيث كانت تتمتع بمكانة استراتيجية ممتازة لا تسمح للأعداء الوصول اليها والتغلب على عربون. وكان الماء والغذاء متوافرا فيها. كان لعربون زوجة حسناء مرتبطة بأحد اعدائه يسمي (مهرفي) وهو يسكن في أعلى جبل في جوار جبل عربون. كل محاولات مهرفي لاقتحام القلعة والوصول إلى عشيقته قد منيت بالفشل، بسبب مكانة واستحكام القلعة. يوما من الأيام أرسلت زوجة عربون رسالة لمهرفي على يد أحد الجواسيس مضمونها:
“إذا اردت الفوز على عربون والوصول إلي، ماعليك إلا أن تقطع الماء على عربون ورفاقه، ومن أجل تحقيق هذا الأمر إذهب إلى نهر (مارون) وقم بتفريغ كميات كبيرة من التبن فيه، ثم اتبعها حتى تصل إلى دوامة تبتلعها، وعندما تجد الموضع قم بإلقاء عدد من الأكياس (نوع خاص على شكل شباك) المليئة بصوف الأغنام فيه”. نفذ (مهرفي) الخطة حتى جفت العين التي كانت توفر الماء في قلعة عربون على بعد أميال. أجهد العطش عربون ورفاقه واستطاع مهرفي أن يحتل القلعة بعد عدة أيام من محاصرتها. ثم القى القبض ورفاقه على عربون ورفاقه وقتلهم جميعا. إلا حبيبته زوجة عربون. ثم أمر مهرفي أصحابه أن ياتوا بحصانين، ووسط دهشتهم أمر أن يشدوا كل رجل من رجلي زوجة عربون إلى حصان، ثم أجفل الحصانين في اتجاهين معاكسين وشقها نصفين، وعندما سأله رفاقه عن السبب أجاب قائلا: “كيف أستطيع الوثوق بامرأة خانت زوجها من قبل وما هو ضمان عدم خيانتها ثانية؟”
هناك حكاية أخرى تروى حول هذا الجبل وهي: كان أحد الرعاة يسرح بالقطيع قريبا من الجبل، حيث شاهد فاكهة تطفو على سطح الماء في مجري مائي هناك. أثار الأمر دهشته وقال في نفسه: لاتوجد حديقة فواكه في هذه المنطقة يا ترى من أين جاءت هذه الفاكهة؟ ثم أتبع الماء ضد التيار حتى وصل إلى صخرة كبيرة تحت جبل عربون يخرج الماء من تحتها. وضعها جانبا بجهد كبير وواجه مدخلا ينتهي إلى حديقة فواكه نضرة تحت الجبل، وفيها قطيع من الغزلان ترعاها حسناوات (جنيات أو حوريات). استضاف الحوريات الراعي لبضعة أيام، وفي هذه الأثناء رجعت الغنم الى القرية، وظن أهالي القرية أن مكروها حدث للراعي بعد اليأس من العثور عليه خلال أيام من البحث عنه. من جهة أخرى أراد الراعي العودة إلى زوجته و أطفاله وعندما صارح الحسناوات سمحن له بالعودة شريطة أن لا يبوح بسره و لا يتفوه بكلمة عما رآه و ما حدث له و إلا سيصاب بأذى. عاد الراعي إلى القرية و بدأ الناس يسألونه عن سبب غيبته، قاوم أمام إلحاحهم لكن أخيرا استسلم أمام إلحاح زوجته و أباح لها بسره. ما إن تفوه بالأمر حتى سقط على الأرض ميتا. بعدها هرع أهالي القرية نحو الموضع لكنهم لم يجدوا اثرا للنهر والصخرة والمدخل وظل هذا اللغز دون حل إلى يومنا هذا. العجيب في الأمر أنني ذهبت و اصدقائي إلى هذا الجبل في موسم الربيع لعدة مرات و هو مكان يتمتع بمنظر خلاب و رومانسي حيث الخضرة و الورود و تغريد الطيور ويبعد كثيرا عن القرية فلا يستطيع أحد أن يذهب هناك في موسم الحر وحتى في الربيع كنا نشرب من ماء المطر المتجمع بين الصخور، والأكثر عجبا وجود قلعة عربون وأطلالها وآثار اماكنها المختلفة كالغرف والأسطبل والأسوار المبنية على حافة القمة، فكل عاقل يؤمن بوجود الحياة والماء في القلعة في فترة من الزمن في الماضي، ويتردد حول حكاية عربون بأنها أسطورة أم حقيقة، والشواهد تأخذ بك نحو تصديق الحكاية الأولى لأنها معقولة حسب القرائن و الشواهد. أما بالنسبة إلى الحكاية الثانية فيجب أن أنوه بأن السكان المحليين يعتقدون بأن الغزلان قطيع الجان ويقدسونها، والعجيب أن قبل سنوات شوهدت الغزلان قرب الجبل عدة مرات فيا ترى ما هي حقيقة الحكايات التي تروى عن عربون؟
هل هذه خرافات قائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة؟ وهل نستطيع أن نسمي كل ما تتناقله الأجيال كإرث تاريخي مجرد خرافات وأساطير؟ أم أن بعضها حقائق علمية لم يكشف عنها بعد! ينسب الإنسان في بعض الأحيان ما يجهله إلى الخرافة والأسطورة لكن بغض النظر عن المكنونات العلمية الغامضة، فهناك أمور ترتبط بماوراء الطبيعة والعوالم الواسعة التي باتت مجهولة بالنسبة الينا، بسبب العالم الصغير والضيق الذي بنيناه لأنفسنا وضيق الفكر الذي لايسمح لنا تقبل حقائق لم نصل إلى تفسيرها بعد. رأيت الكثير من الناس بما فيهم بعض المتدينين لا يؤمنون بالجان، وهم يتلون القرآن الذي ينص على وجوده. لعل بعض الأمور التي نصنفها ضمن الخرافات والأساطير هي حقائق سيزيل العلم الستار عنها في القريب العاجل ولا ننسى أن ما ذكره كتاب الخيال العلمي عن ظواهر مدهشة كانت في عهدهم امور لا تصدق، ولكن تحققت فيما بعد بشكل غريب، على سبيل المثال عندما تكلم كتاب الخيال العلمي في الثمانينيات من القرن التاسع عشر عن غواصات البحر والطائرات والأسفار إلى أعماق البحار أو الفضاء لم يكن احد آنذاك يتصور هذه الأشياء حتى في نومه، لكن خلال عقود ظهرت عقول مبدعة جسدت هذا الخيال على أرض الواقع. فكانت أكثر الظواهر قبل اكتشافها علميا تعتبر خيالا أو وهما لا تستوعبه عقول الناس كحقيقة، إلا بعد تحققها في المستقبل وكانت بعض الظواهر والاختراعات العلمية في بدايتها اشياء غريبة من منظر الناس. فعلى سبيل المثال كان الناس في منطقتنا يسمون الدراجة النارية (حصان إبليس) ويعجبون من الأدوات والأجهزة التي تعمل على الكهرباء. ومن المضحك ما ذكره أحد الأصدقاء بأن كلاب قريتهم كانت تنبح حتى الصباح، رافعة رؤوسها نحو المصابيح والأضواء في اول ليلة تم فيها ايصال الكهرباء الى القرية!!! ففي رأيي كثير من الأشياء التي تصنف في دائرة الخرافات والأساطير من الممكن أن يصل الإنسان إلى ماهيتها فيما بعد، ويجدها أشياء معقولة على أساس علوم يكتشفها في المستقبل.