مرت أحداث يوم الخامس والعشرين من تشرين (أكتوبر)، دون ان تسجل التظاهرات التي تم التحشيد لها وقوع أي قتلى أو اصابات عنيفة بين المتظاهرين او القوات الأمنية، رغم حدوث بعض الإختراقات الجانبية، والمناوشات، بل والتصادمات أيضاً.
لكنها نجحت بسلميتها، التي كانت سمة واضحة وبارزة في كل ميادين التظاهر، وفي مختلف مدن البلاد، باستثناء حالات بسيطة تمت معالجتها بالإشتراك بين القوات الأمنية والمتظاهرين أنفسهم، وقد جاءت هذه الاحداث البسيطة بفعل نفر مندس أراد أن يخلط الأوراق، ويثير العنف ويهاجم قوات حفظ النظام والقانون التي اتسم أداؤها بالإنضباط الذي أشار اليه الكثير من المتظاهرين في أحاديث مسجلة، كما أظهرت القوات الأمنية مهنية عالية في معالجة أي خروقات أو محاولات للإساءة للمتظاهرين أو مصالح الدولة، أو المصالح الخاصة.
لقد مرت التظاهرات بفورتها الكبيرة محققة نجاحاً (سلمياً) وضبطاً واعياً، كما نجحت الحكومة في احتواء بعض الإندفاعات المشحونة هنا أو هناك، وسحب فتيل الفتنة التي أرادت بعض وسائل الإعلام المغرضة إعادة انتاجها مجدداً، حتى باتت سمة الانضباط العالي، والمرونة والتعامل الحسن صفة مشتركة بين القوات الأمنية التي أُعدت مبكراً لهذا الغرض، لاسيما حين أمرها الكاظمي بعدم حمل السلاح في مواجهة التظاهرات، وكذلك الغالبية العظمى من المتظاهرين الذين كانت مطالبهم في الواقع قد أُنجز بعضها مبكراً ، فالكاظمي الذي تولى السلطة كان قد باشر فعلياً في تلبية بعض مطالب الاحتجاجات، بدءاً من تحديد موعد مبكر لانتخابات نيابية، الى اقرار قانون انتخابات متعدد الدوائر وارساله للمجلس النيابي للتصويت عليه، الى تشكيل لجنة من قضاة مختصين للكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبتهم، الى احالة عدد غير قليل من الضباط والمنتسبين الى المحاكم العسكرية لغرض التحقيق معهم، فضلاً عن اجراء اصلاحات واضحة في قطاعات الدولة الى تشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد، وليس انتهاءً في عمله المستمر لاحتواء أكبر قدر من الخريجين في مؤسسات الدولة، والعاطلين عن العمل، ولا يزال الرجل ينفذ برنامجه الحكومي الإصلاحي بهمة عالية، وسط تحديات صعبة للغاية كما يعرف الجميع.
وهذا لا يمنع أن هناك الكثير من مطالب المتظاهرين لم تتحقق من الأساس، او أن بعض المطالب التي امر الكاظمي بتنفيذها تتجمد الان في مجمدات الحكومة البيروقراطية، حتى أن بعض الشباب الخريجين من المتظاهرين، الذين وعدوا بالتعيين، أهملوا المعاملات، وغادروا حلم نيل الوظائف بعد أن ذاقوا الامرين في مراجعاتهم للدوائر الحكومية!
الان، وقد انتهت تقريباً تظاهرات ال 25 من تشرين بسلام، والتي كان يأمل الخصوم ان تكون رأس الحربة في معركتهم مع الحكومة والنظام، لكنهم فشلوا، فقد بدأ المتظاهرون ينسحبون الى بيوتهم ومدنهم، كما أن أكثر الخيام فككت في ساحة التحرير، ولم يبق غير نفر قليل من الذين هم خارج حسابات التظاهرة، ولعل المفرح في الأمر ان التظاهرات انتهت تقريباً بعلامة كاملة للقوى الامنية العراقية التي سجلت اروع نتائج أمنية في تاريخ التظاهرات في العراق بل وربما لم تتحقق مثلها نتائج (بيضاء) حتى في امريكا وأوربا الديمقراطية ايضاً.
وهنا نسجل ايضاً أن التظاهرات هي الاخرى حققت علامة كاملة بمتظاهريها الشجعان البواسل، وبمطالبها التي خرجت من اجلها قبل عام، فهي نجحت في تدمير بنية الفساد والمحاصصة، وركزت الفاعل الشعبي كشريك، بل صانع قرار اليوم، كما نجحت أيضاً في تعميق أزمة القوى الفاسدة التي باتت تبحث عن ملجأ لها، ولن تجده بعد أن ضيقت عليها الحكومة الخناق، وصولاً الى انهاء وجودها بشكل نهائي وقريب.
أخيراً، هل حققت التظاهرة التشرينية خلال اليومين الماضيين أهدافها؟
الجواب:نعم حققتها، وقد كان أول وأهم الأهداف التي تحققت بسلميتها، وأظهرت ايضا قدرتها على ضبط إيقاعها مهما تعدد العازفون، كما انها اوصلت رسالة مهمة للكاظمي ولحكومته، مفادها: ان المتظاهرين موجودون هنا، وان لا مسؤول في مأمن بكرسي المسؤولية عن صوت الشارع التشريني مهما كان، فإياكم وتجاوز مطالب الجياع.