الإفتتاحية

كيف أنقذني (مسج الحزب) من مخالب الموت.. وكيف دحرتُ كورونا بسلاح الشعر؟

إذا سمحتُ لنفسي أن أحمل صفة (شاعر)، وأجيز لاسمي هذا التوصيف المكلف والباهظ، وهو توصيف (ثقيل) لا يقوى على حمله إلا الشعراء الحقيقيون، يصبح من حقي ان أحكي عن الشعر والشعراء، وعذابات الليل، وأوجاع النهار، ومخاض ولادة القصيدة العسيرة حين لا تأتي إلا بعملية قيصرية  موجعة، فضلاً عن القلق والشك وعدم الإطمئنان للقصيدة، فتصحح وتعدّل وتغير ، وتغادر فراش نومك ألف مرة لتغيير مفردة أو صورة أو ربما بيت شعري كامل لم يعجبك، أو لم يكن موقعه في القصيدة مناسباً..

نعم، فالشعر ليس حلواً كما يظن البعض، وستجد فيه مرارة يصفها بعض الشعراء بأنها أمرّ  من مرارة الفراق، ويذهب البعض فيقول: إنها أمرّ من طعم الموت!

كل هذا صحيح، ولكن هل رأيتم عينَي أم بعد أن يأتوا اليها بطفلها بعد الولادة، هل رأيتم مصابيح الضوء الملونة وشموع الفرح وهي تضيء ببحيرة الدمع المتدفق من شواطئ عينيها؟

بهذا الفرح ذاته، والضوء المتألق في عيني الأم حين تمسك بطفلها أول مرة، يشعر ويفرح ويجن الشاعر حين يلد قصيدته، او نصه الشعري!

لذلك استطيع القول بضرس قاطع، وبعد مئات التجارب الشخصية، إن سعادة الشاعر بولادة قصيدة لا تقل عن سعادة امّ أو  أب بولادة طفلهما البكر !

وستكون السعادة أعظم حين تسمع كلمات الثناء والمديح لجمال هذا النص، أو القصيدة التي كتبتها، فتنسى أوجاع المخاض، وأرق الليالي، وقلق الخوف والظنون والشك من ان لا تأتي القصيدة كما يجب أن تكون وتشتهي، نعم، فحين يتفاعل الناس مع نصك او قصيدتك الجديدة، سيكون هاجسك الوحيد هو ما تسمعه من إطراء، وما تلحظه في وجوه الناس، وعيونهم، وكلماتهم، وعدا ذلك سيمضي كله الى الزوال ..!

أمس، جربت ( لطع ) عسل الإنجاز، والزهو، بعمل كتبته لنفسي وللحزب الشيوعي العراقي، فهذه اول مرة أشرك نفسي مع الحزب، وأكتب لشخصي في عيد ميلاده المجيد، فقد قضيت نصف قرن تقريباً، بعيداً عن نفسي، قريباً من الحزب ..

لكني في هذا النص، أسكنت شخص وكيان الحزب في نفسي، ووضعت كياني ونفسي في شخص الحزب، وبات من الصعب ان تبعد بينهما، وسبب خروجي عن القاعدة هذا العام يعود، لأني واجهت – لوحدي في البدء – سيف الموت الحاسم، بعد أن أخبرني الاطباء في المستشفى بجرأة تصل حد الوقاحة، بأني سأموت قريباً بسبب التهاب الرئتين التام جراء فايروس كورونا !

هنا يتدخل الحزب الشيوعي ضمناً، فيبعث لي بمسج هز كياني وأيقظ كل شجاعتي وعنادي وشراستي من المنام، مسج ( شيوعي) يدعوني فيه الى رفض الموت، والتشبث بالحياة بأية وسيلة، خاصة وإن شهر آذار ، حيث ميلاد الحزب، قريب جداً، ويجب حضوري في حفل الميلاد !

كان المسج عظيماً، وقد وصلني بصوت عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الدكتور جاسم الحلفي – لم أكن أرغب بذكر اسم المناضل  الحلفي، لولا أني أكتب شهادة للتاريخ، يتوجب فيها ذكر المواقف بأسمائها- وبقدر ما كان المسج دافعاً معنوياً لي، كانت استجابتي له بمستوى المسؤولية، فرفضت الموت فعلاً، وواجهت شبحه بصلابة وعناد، وانتصرت عليه نصراً عظيماً، فكان شفائي من المرض، وانفكاكي من مخالب (عزرائيل)، حديث  الأطباء في المستشفى الأمريكي بدبي.

ومن الطبيعي، أن يكون الشعر حاضراً هنا، فترجمت ذلك المسج، وشبح الموت، وامل الحياة والمعاناة، والشفاء، الى نص غنائي، لحنه وأداه بصوته، الفنان التقدمي المبدع والجميل عدنان السبتي..

وأمس، سمعت ورأيت النص، ولداً حلواً يسر منظره العيون، بعد ان أغدق عليه السبتي بمكملات جماله، ففرحت مثل أي أمّ حين يأتون لها بطفلها الوليد تواً، ناهيك من كلمات الثناء والاطراء التي سمعتها من الرفاق والاصدقاء الذين سمعوا الاغنية بجمال لحنها، وحلاوة ادائها، وروعة إخراجها.

شكراً للحزب، وللشعر، ولآذار الأخضر ..

قد يهمك أيضاً