إعداد/ علي لعيبي
“بدر” اسم بئر على بعد 160 كيلو متراً عن المدينة. وقعت فيها أول معركة بين المسلمين والمشركين، في مثل هذا اليوم المبارك من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة. وقبل وقوع القتال انزل الله تعالى على نبيه (ص): (وإن جَنَحُوا لِلسِّلمِ فاجنَح لَها…) فبعث (ص) الى المشركين ينهاهم عن القتال، فوافق عتبة بن ربيعة وقال: ما رد هذا قومٌ فافلحوا… يا معشر قريش انّ محمداً ابن عمكم فخلوه والعرب. فان يكُ صادقاً فأنتم أعلى عيناً به، وإن يكُ كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره. فأبى ابو جهل ولم يقبل بأقلّ من القتال.
تعد غزوة بدر أول مواجهة عسكرية حصلت بين المسلمين و بين كفار قريش ، كما و تُعدُّ هذه الغزوة من اشهر الغزوات التي قادها الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) ضد الكفار. وكان الامام علي (ع) حامل الراية في اول حرب يشارك فيها مع رسول الله (ص). وكان عمره (ع) يومذاك خمساً وعشرين سنة. والمعركة وقعت بعد عقد علي (ع) على فاطمة (ع) وقبل البناء بها.
مكانتها في تاريخ الاسلام
لهذه الغزوة مكانة رفيعة ومتميزة في تاريخ الإسلام إذا ما قيست بغيرها من الغزوات، فقد وَسَمَت المجاهدين الذين اشتركوا فيها بوسام متميز من التقدير و الاحترام، و سجل التاريخ بطولاتهم في صفحات مشرقة بحيث صار المجاهد البدري يُعرف بطلاً مقداماً يتمنى المسلمون أن لو كانوا مكانه، فكان يكفي المسلم قدراً آنذاك أن يقال عنه انه بدري .
أما السبب في أهمية هذه الغزوة فيعود إلى حجم الانتصارات التي حققها المسلمون في هذه الغزوة بقيادة النبي محمد (صلَّى الله عليه و آله ) من جانب ، و إلى التأثيرات الإيجابية التي خلّفتها هذه الغزوة في نفوس المسلمين من جانب آخر، إذ رفعت من معنوياتهم و زادت في إيمانهم، و هزَّت كيان العدو و ضعضعت عزيمته ، كما و غيّرت وجهة نظر الأعداء إذ صاروا بعدها ينظرون إلى المسلمين أنهم قدرة لا يستهان بها .
سبب تسميتها
أما سبب تسمية هذه الغزوة ببدر فيعود إلى أن الكثير من الغزوات و الحروب سميت بأسماء الأمكنة و البقاع التي دارت عليها المعارك و الحروب، و من هذه الغزوات غزوة بدر التي سميت باسم مكان المعركة إذ أن المعركة وقعت على ارض بدر، و بدر اسم لوادٍ يقع بين مكة المكرمة و المدينة المنورة، و هو أحد أسواق العرب و أحد مراكز تجمعهم للتبادل التجاري و المفاخرة، و كان العرب يقصدونه كل عام .
كان عدد المشاركين في هذه الغزوة من المسلمين والمشركين يقدر بـ ( 1313 ) مقاتلا ، ( 1000 ) منهم من المشركين و ( 313 ) منهم من المسلمين ، أما المسلمون فكان ( 82 ) منهم من المهاجرين و ( 230 ) منهم من الأنصار ، و أما الأنصار فكان ( 170 ) منهم من قبيلة الخزرج و (61 ) منهم من قبيلة الأوس .بدأ القتال بين المسلمين و الكفار بعد زحف الكفار نحو مواقع المسلمين في صبيحة اليوم السابع عشر من رمضان من العام الثاني للهجرة، و استمر القتال حتى ظهر ذلك اليوم، و عنده كتب الله النصر للمسلمين بعد أن سقط من الكفار ( 70 ) قتيلاً و أُسر منهم ( 70 ) ، و انجلت الغبرة بهزيمة الأعداء و فرارهم . بعد ذلك أمر النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بدفن الشهداء و مواراة القتلى من الأعداء ، ثم صلى بالمسلمين صلاة العصر ، ثم توجه المسلمون إلى المدينة المنورة و هم فرحون مستبشرون بما كتب الله لهم من النصر و بما رزقهم من الأموال و الغنائم ـ التي كانوا في اشد الحاجة إليها ـ و بما صحبوا معهم من الأسرى .
أسباب وقوع هذه الغزوة :
أما أسباب اندلاع القتال في غزوة بدر فتعود إلى أن قريشاً كانت تعامل المسلمين بقسوة و وحشية منعدمة النظير مما حدا بالمسلمين إلى الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، لكن قريشاً لم تكُف اليد عن إيذاء المسلمين بل لجأت إلى مصادرة أموالهم و نهب ممتلكاته ، واستمرت في مواقفها التعسفية هذه تجاه المسلمين حتى اُخبر النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بان القافلة التجارية الكبرى لقريش المحملة بمختلف البضائع و الأموال , و التي تقدر قيمتها بخمسين ألف دينار و المحملة على ألف بعير سوف تمرّ بالقرب من المدينة و هي في طريق عودتها إلى مكة المكرمة قادمة من الشام ، عندها قرر النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) أن يقابلهم بالمثل و يسعى من أجل استرداد شيء مما نهبه كفار قريش من المسلمين و ذلك عن طريق مصادرة أموال قريش بالإغارة على قافلتهم و مصادرتها .لكن أبو سفيان الذي كان يترأس القافلة التجارية لما عرف نية المسلمين غيّر طريقه و أرسل إلى قريش من يخبرهم بذلك و طلب منهم المدد و العون، فهرعت قريش لنصرته و الدفاع عن أموالهم بكامل العدة و العتاد الحربي و كان عددهم من (900) إلى (1000) مقاتل .
و هكذا فقد تمكن أبو سفيان من الفرار بالقافلة إلى مكة و نجا بنفسه و الأموال التي كانت معه ، لكن مقاتلي قريش عزموا على قتال المسلمين ، فكانت النتيجة انهم خرجوا منها بالعار و الخزي و الهزيمة و الخسائر الجسيمة، و هكذا نصر الله تعالى نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.