كتب – مدير التحرير
لم يكن خبر رحيل الشاعر الكبير موفق محمد، بالحدث الهيّن، ولا ردة الفعل عند محبيه كانت عابرة، بل كانت هناك صدمة فاعلة قابلتها ردّة فعل مماثلة، فالشارع العراقي من أقصى شماله الى أدنى جنوبه عاش أياماً متواصلة من الحزن الحقيقي على رحيل “شاعر الوجع العراقي” حيث امتلأت مواقع التواصل الإجتماعي، والمواقع الإعلامية بكتابات حزينة تؤبن أو تتوجع لهذا الرحيل الفاجع.
وفي مؤسستنا “الحقيقة” كانت هناك ردة فعل حقيقية تجسدت بحروف للزميل رئيس التحرير (فالح حسون الدراجي) حين كتب مقالاً عذباً مزنراً بشجن جنوبي حنون يرثي به فقيدنا الكبير (أبو خمرة) وقد استفاض فيه الدراجي في شرح وتبيان ما كان عليه هذا الراحل الكبير، فقد رصّ حروفه لتكون مرثية عظيمة بحق شاعر عظيم ملأ الكون وشغل الناس، فتلاقفت العيون هذا المقال، وتناقلته القلوب قبل الصفحات، وتواشجت الحروف المتفاعلة مع المقال، وصارت الردود مكملة له، ومن بين تلك الردود استفز ذائقتي تعليق للسفير الدكتور (فلاح عبد الحسن) الذي كتب رداً عذباً ومليئاً بالشجن أيضاً، لذا قررت أن أنقله لكم حتى تستمتعوا بالشجن العذب الذي يقابله شجن آخر لا يقلّ عذوبة عنه، وأقصد رد (فلاح) على (فالح) وعذراً للإطالة.
“استاذ فالح، اعتدنا ان نجد في مقالاتك زاداً ثقافياً يثري الذائقة الادبية للشارع العراقي مع دعوة مفتوحة للاطلاع على نتاج الشاعر موفق محمد الذي لم ينل استحقاقه اعلامياً كما يجب، لكن، ويا لها من لكن، فهي هنا ليست حرفاً ناسخاً لا محل له من الإعراب، بل هي اللغة كلها شعراً ونثراً،
فالشاعر يا صديقي لا يموت، بل يترجل عن صهوة الشعر ليرتاح في ساحة الله، ويبقى صوته يرن في مسامع الباقين ان لا بقاء للظالمين مهما تغيرت وجوههم واسماؤهم وصفاتهم وازمنتهم. سيبقى صوتا هادرا في مسامعهم بانه موتهم المؤجل (انا حتفهم، الج البيوت عليهم… اغري الوليد بشتمهم والحاجبا)، كما قالها قبله ابو فرات.
نعم، غادرنا جسداً وبقي معنا شعراً وموقفاً. غِنى الرجال يا صديقي ليس بالمال وانما بالمواقف الرجولية، وليس باصحاب اللون الرمادي وما اكثرهم!. رفع موفق محمد بشعره ورقة التوت وعرّى المزيفين كما عراهم شاعرنا النواب سابقاً حكاماً ومحكومين وعلى رؤوس الاشهاد. كان يمتلك من الجرأة ما يفتقده الكثيرون، لذلك كان صوت الفقراء ولسانهم الناطق.
سيبقى ناقداً لاذعاً لكل فاسد وإن تغطى بجلباب (كاهن).
وان عدتم يا صديقي العزيز عدنا بأكثر، عن شاعر اقل ما يقال عنه انه لم يعتش بشعره او يبع مواقفه.
الشعراء مواقف، وصاحب الموقف خالد في ذاكرة الاجيال.
اجدتَ يا صديقي فيما كتبت، ودمتَ شاعراً مبدعاً وقلماً يسلط الضوء على اعمدة الثقافة العراقية، وموفق محمد، مصباح وعمود من هذه الاعمدة الموشحة بالغار.