إلا ان الذي ورد في رباعية شمران الياسري، من موروث شعبي وكيف استطاع هذا الكاتب الكبير ان يوظف مفردات في التراث ويضعها في ايقونات رباعيته المشهورة ( الزناد، بلابوش دنيا، غنم الشيوخ وفلوس حميد )له الاثر البالغ ،تلك المفردات التي تكاد تضيع او تنقرض، لولا ان هذا الكاتب البارع استطاع ان يوظفها بأسلوب حضاري وفني رائع… ان ذلك كان له ابلغ الاثر في توثيق هذا الكم الهائل من المفردات والاهازيج والامثال وما ردده الشعراء في تلك الفترة.
ومن تلك المفردات:
بلابوش دنيا: وقد احتلت هذه المفردة اللطيفة حيزا كبيرا من رائعة ابوگاطع… حيث كانت همزة الوصل في تلك الرباعية الفريدة…كما إن تلك المفردة قد حملت اسم الجزء الثاني من الرواية” بلابوش دنيا”.
وقد ذكرت في كتابي “تأملات في الادب الشعبي ” الصادر عن دار الفرات في الحلة..هذا الجانب وتحت عنوان (الموروث الشعبي ورباعية الأديب شمران الياسري) حيث ورد فيه:
((من خلال رباعيته المشهورة ” الزناد، بلابوش دنيا،غنم الشيوخ، فلوس اجميد ” استطاع الكاتب وببراعة واضحة ان يوظف الموروث الشعبي توظيفا رائعا… ولانه من بيئة ريفية تمتلك خزينا وافرا من المفردات الشعبية والموروث الذي يتم التداول به في الدواوين في تلك الفترة والتي تمكن الكاتب من غرز تلك المفردات والأهازيج في رباعيته على نحو مبدع وخلاق مما اضفى على الرباعية هالة من ألالق والسمو ومنحها جوازا للدخول الى قلوب المثقفين اولا ومن ثم الشرائح الإجتماعية الأخرى وخاصة من هم في اسفل الهرم الإجتماعي من الطبقات المسحوقة والكادحة والمهمشة)).
إن الدخول الى عالم الموروث الشعبي واحتضانه ومن ثم صياغته بالأسلوب الذي قرأناه في رباعية ابو گاطع… كان عملا إبداعيا رائعا…
يا حمد خيل الصـبايا برهن
ما يعرفن هورهن من برهن
ام العلا بالسيف ماهي بالرهن
غصب عالباشا يودي كركنا
وهذه من اغاني ابو الغمسي الشاعر المشهور في زمن الشيخ حمد آل حمود… وقد جاءت على لسان حسين احد ابرز شخصيات الرواية في جزئها الأول “الزناد”.والملاحظ ان الشاعر وهو يخاطب شيخ الخزاعل ورئيسهم… بمفردة بسيطة جدا ومباشرة “ياحمد “… وهذا ما دعى حسين لاستخدام تلك المفردة للتعبير عن العلاقة مع الشيخ وقبل ان يستبد به المال والجاه وسعة النفوذ.
واوي الكوت اجه متعني ومتمور
يگول شهالربيعة شكثر بيها كسور
واوي العارضية يگله من ياخور
(شيم اهلك بلچي يشبعونك)
لكن الأهازيج تتواصل وحسين لا ينفك يغازل سعدون “شيخ العشيرة “:
“ومن يعرضلك جاون جيبه “
وتسحرنا مفردة: “زبون شال ترمة “التي لم تعد في قاموسنا.. فقد اصبحت من الموروث..وهكذا اضاف: ” لو تلگاگ الخير لا تزل عن دربه “..
وبعد ان تأكد حسين ان زبون الشيخ سعدون لا يليق بهذه الطرشة “للانگريزي” ترنم:
خل الحجل ينشاف گصري زبونچ
گولي جليل الخام لو ينشـدونچ
وعندما جلبوا “كلاش ” لسعدون.. هوس حسين ” غط جاب الدره اضوت بيده “
ويعود حسين لينشد لابي الغمسي:
آنه دوم إعلى المحاسن شاربي….. شارب اسموم الحيايا شاربي
ما يطوبس للهضـايم شاربي وخابت امك يلتعيش بمسكنه
ثم ان حسين لا ينفك يرمي بشباك صيده:
برگعوهن بالمطارج والبطن بديرة العدوان خاطن والبطن
لا تگولش خيل ابو فدعم بطن لحگن المديون وإستافن منه
وهكذا ومع سكون الليل.. تبقى الترانيم متواصلة:
لا بسه الشـاكر وگالبته گلب
يا بعد جـوز الچلاوي والگلب
الما تشوفه العين يسلاه الگلب
ولو سلاه الگلب چيف اسلاه انه
ويرتفع الرنين ويتواصل الصمت مع هذا الإنشاد:
لابسه العسجد وخصر الخل خل
وفوگ مجرى الماي شدت خل خل
جيت اگض الزلف گالت خل خل
إشلون اخلي الزلف وحياتي منه
ولا يتوقف هذا السيل من الشعر ومازال حسين يسحر الجالسين بشعر ابو الغمسي:
ريت ربك يا غميسي بيدرك
ليش مشيك كل زمانك بيه درك
يالتحوف الناس حافوا بيدرك
لا يعطرونه ويفلسـونك منه
ويتواصل هذا الإيقاع.. مع حركة المسبحة:
لا تلوم اشهاب لا ونش وجن
ويحسب الساعات لو راحن وجن
بين نهدچ والخواصر والوجن
ضـيعت كـارة گرنفل مثمنه
ويبقى شعر ابو الغمسي.. يشنف الديوان.. وتتواصل ليالي السمر:
يا خشيف الواردة بشاطي الحلال
وشاده على الراس چفية حلال
آه وا ويلاه من شافچ حـلال
مصة ارياگچ لعيش ابها سنه
ويستمر الغزل على لسان حسين ومع شعر ابو الغمسي:
يا خشيف الواردة من شيب ابوه
وچاسرة المشعل بشيبه وشيب ابوه
واليحبچن حيل زينن شيب ابوه
والتحبنه الحية ابـوها مزينه
ولا مجال للتوقف… فالليل مازال في اوله:
جهجريتي تگرص الممشى گرص
وما تهاب الشالخ زناده وگرص
إفرث الباگه وغمس بالـگرص
إكل واشـبع والمدابج لي انه
وتعود الأمور ثانية…. وبعد ان فرغ الديوان من زبائنه !!
ومع الأمثال:
“ما يحل رجل دجاجة”
ويعود حسين للشعر في ليلة اخرى..بعد الحاح شديد من الحاضرين في الديوان:
من تطب للسوگ صبحة
صابت الدلال فرحة
جيت اعاملها الوگـحة
غطت الروبه بطبگها
داده خيعونه الشبگها
وللدارمي تاثيره الواضح… فعندما يتردد صوت المغنية بهذا البيت من الدارمي… تتعالى رياح الشجن والهم وتستعاد الذكريات المرة:
ما ظل عدل بعضاي حي وارتچي عليه
كـل هذا ما خليت شـامت يحس بيه.