ثقافية

من كتب معرض بغداد للكتاب

حميد المختار.. حين ينتصر الجنون ..!

عدنان الفضلي

ثيمة الجنون قد تكون متواجدة منذ القدم في أدبيات العالم، وجرى تعاطيها في الكتابة الأدبية بصور مختلفة ومعالجات متنوعة الإشتغال، فهناك من يعطيها صفات جمالية ولطيفة تجعل التلقي عذباً، وهناك من يسدّ بوجهها باب الجمال واللطف فتصير كئيبة جداً وصعبة التلقي.

مؤخراً صدر عن منشورات  الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق كتاب نقدي للقاص والروائي والناقد حميد المختار وجاء تحت عنوان (انتصار الجنون) مع عنوان فرعي (تأملات في تحولات الجسد والسحر والجنون) وفيه يعالج الكاتب موضوعات تخص السرد والشعر.

الكتاب الذي تضمن أربعين مقالة متنوعة الاشتغال يقدم لنا قراءات مختلفة لتجارب سردية وشعرية، فضلاً عن مقالات ثقافية عامة تعالج الواقع الثقافي العراقي.

في مقال جاء بعنوان (ألبوم السرد والحياة) يأخذنا المختار الى عوالم عاش تفاصيلها بنفسه، ليشرح لنا كيفية أن تكون الذات منشطرة لكنها حاضرة في كل الأمكنة، حيث تبدأ في كل مرة باستكشاف تلك الأمكنة والعوالم، فهو وكما يصف نفسه يقف فوق ناطحة سحاب يشرف من علو شاهق على الخلائق، كما يقدم لنا المختار طرقاً سلكها في كتاباته السردية، حيث تتعدد الأمكنة والشخوص، وكمثال على ذلك يقدم لنا تجربة سردية كتبها عندما كان معتقلاً في سجون النظام السابق وفيها يقول “في السجن كتبت رواية تهكمية وجارحة كما لو أنني كتبتها بموس حلاقة وليس بالقلم، كان إحساسي كسجين يدفعني الى شحذ الكلمات وجعلها أسلحة حادة، حتى أنها جرحت الورق ومزقته”.

في موضوعة سحر البيان كتب المختار مقالاً بعنوان (سحر العالم) وخاض فيه في تاريخ وعوالم السحر وكيف يتم التعاطي معه، فهو يمنحنا نماذج من الحضارات السومرية والبابلية والفرعونية  وغيرها، ومن ثم يربط تلك العوالم بما يقدم من نتاج أدبي يقوم على توظيف جميل، فيكون هنالك سحر بياني يجعل التلقي عذباً حيث يقول المختار مانصّه “يمكن للشاعر أن يستحوذ على العقول والأفئدة من خلال سحر بيانه وهيمنته اللغوية على سرعة تقبّل القلوب له”.

العروج الى ممالك الجسد كان عنواناً لمقال جديد يدخلنا فيه المختار الى عوالم الجسد سارداً لنا بحثه الدؤوب عن الجسد وتمثلاته وآلياته ويومياته، حيث وكما يقول كان يقرأ الكتب الشعرية والروائية والمقالات والبحوث التي تتناول الجسد، وهو لا يتحدث عن الجسد بصيغته المشاعية المتعلقة باللذة بل هو يخوض في تمثلات أخرى يكون الجسد فيها محرضاً للكتابة وكذلك يسعى الى أن يكون الجسد حراً، فهو ومن خلال هذا المقال يحدثنا عن الجسد بصور عامة وكذلك عن جسده هو حيث يقول “جسدي هذه العبارة الغبارية التي صاحبتني في الدنيا معروفاً،الذي أحببته كثيراً، بدأ يتهرأ ويتمزق وينهار شيئاً فشيئاً ولا أفشي سراً في ذلك، ولكنها السنون التي أهلكته وكشفت جوارحه وأوسعت من عطايا الألم”.    

انتصار الجنون والذي هو ثريا الكتاب كان عنواناً لمقال آخر كتبه المختار وفيه يتحدث عن الجنون من زوايا متعددة لكنه يضع أحد أصدقائه كنموذج لمن عاش وكتب الجنون بصيغ أدبية سواء كانت سردية أو شعرية، مشيراً الى اكتشافات جديدة في هذا العالم، حيث يقول المختار “صديقي الذي مارس لعبة الجنون، ومن ثم الموت، هو سارد دخل الأماكن ذاتها، السجون والمصحّات العقلية والمقاهي، فضلاً عن أنه مارس فعل الكتابة كخدعة جديدة تنتصر للجنون”.

الكتاب مليء بمقالات تخص عوالم أخرى وأشخاصا وأسماء وأمكنة مختلفة، فضلاً عن دخوله أيضاً في عوالم الميثولوجيا، والحكايات والأساطير، فيسرد لنا وبلغة عالية خبايا تلك العوالم وفق تصوراته هو، وليس كما يشاع عنها.

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان