كتاب الحقيقة

شــــــيء من حديث الأمزجة

عدنان الفضلي

مما لا بد منه لاستمرار الحياة، هو قيامك بتسيير يومك وفق أكثر من مزاج،  فليس من العدل أن تعيش بمزاجك وحدك أو مزاجك الوحيد، بل لا بد من التعايش مع الأمزجة الأخرى، التي لا ترتكب أخطاء كبيرة، ولا تنغص عليك بقدر كبير، يومك الذي تريده هانئاً، بل لا بد لك من تشغيل أكثر من مزاج يخصك، فالنهارات الصاخبة المزدحمة بالعمل وملاقاة وجوه كثيرة غير متشابهة بالملامح والمزاج، تحتاج لتفعيل مزاجك الرائق القادر على الاستيعاب والتحاور والتجادل الخالي من الإنفعال، وفي المساءات عليك تفعيل مزاج يصلح لإنهاء سهرة يشاركك فيها الآخرون الذين تميل لأمزجتهم مهما تغيرت، أما مزاجك الذي تعيش لحظته وحدك، فذاك اتركه حراً حتى لو ارتكب هفوات أو أخطاء أو مشاكسات على جميع الأصعدة، فليس من المعقول أن لا تعيش العبث والفوضى كجزء من شخصيتك مهما كنت معتدلاً.

أنا شخصياً اعتدت أن أعيش بأكثر من مزاج، فتارة أذهب للمزاح و(التحشيش) بالمعنى الكوميدي، وليس المعنى الإجرامي المتعلق بالمخدرات، وتارة أكون تائهاً وسط واقع درامي بحت، وتصير جديتي مزعجة للبعض، خصوصاً في طرح آرائي التي لا تعجب كثيرا ممن لا مزاج لديهم أصلاً، كما أن بداخلي صوراً أراها بحاجة للتوضيح وطرحها على الملأ، حتى لا تبقى محتفظة بصفة التشويش، فأنا أمتلك من الشجاعة ما يسمح لي بانتقاد كل ما لا يعجبني ويؤثر على مسير يومي، ولست ممن يضعون خطوطاً حمر تجاه أي مخلوق مهما كان منصبه أو قدسيته التي يمنحها له مجاناً بعض السذج.

الحياة تحتاج لأن تواجهها بوجه مكشوف لا يتلوّن ولا يتزلّف ولا ينحني لغير ذاته التي عليه أن يحترمها ويقدم لها الولاء الكامل، فنحن لن نحصل على أوقات إضافية للتعويض، وستسرق منا كثير من الساعات والأيام والشهور والسنين، إذا ما رضخنا لمن لا يجيدون تطويع أمزجتهم، ويريدون منك أن تتبع ما يتبعون، وأن تعيش وفق طرقهم المبنية على الرضوخ للآخر الإنتهازي، أو الخائن لذاته ولوطنه ولشركائه في هذه الحياة الواسعة الفسيحة التي يجب علينا أن نعيشها بأكثر من مزاج.

قد يهمك أيضاً