عدنان الفضلي
في العراق تحديداً، تبرز التناقضات كسمة بارزة تغطي المشهد العام برمته، وفي العراق ايضاً دائماً ما يخرج النقيض بسرعة ليغطي قبح او جمال الآخر،فمابين كل فعل خير وآخر نصطدم بفعل شر،ومابين كل خطوة سيئة وأخرى يأتينا من يصحح مزاجنا بخطوة نقية.
هذه المقدمة أسوقها وانا اتذكر ما حصل لزميلتنا الاعلامية والناشطة الانسانية (رجاء الخفاجي) التي تعرضت يوم الجمعة الماضي الى حادثة سرقة لـ (كاميرتها) وموبايلها تحت مرأى ومسمع المئات من رواد شارع المتنبي.
نعم، أمام مرأى المئات جاء شاب وباغت زميلتنا وسرق منها هاتفها النقال و(كاميرتها)،وحين انتبهت اليه صارت تصرخ بالجميع (حرامي .. حرامي) وبقيت ممسكة بيده،لكنه أفلت يده منها ورمى بالهاتف على الأرض وهرب من دون أية محاولة من أحد للقبض عليه رغم صراخ (رجاء) واحتفظ لنفسه بـ (الكاميرا).
لم اكن حاضراً حينها ، لكني صادفتها مع صديقي (عباس الكعبي) وكانت علامات الغضب بادية عليها، فاخبرني (الكعبي) بالحادثة،حيث تم ابلاغ الشرطة والاجهزة الأمنية التي تحرس المنافذ المؤدية من والى شارع المتنبي بالحادثة واعطتهم وصفاً لشكل وملابس اللص الجبان، لكن لم يستطيعوا تحديده والقبض عليه،وقد نال منا ومنها اليأس ، وتركتها حزينة ليس على الكاميرا، بل الصور الملتقطة بداخل (الكاميرا).
في اليوم التالي وأثناء تصفحي لموقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) فوجئت بصور كثيرة منشورة على صفحة الزميلة (رجاء الخفاجي) توثق للمناسبة التي صورتها يوم الجمعة، فدخلت على المحادثة الخاصة بها وسألتها عن مصدر الصور وان كانت قد استعادت (كاميرتها) ففاجأتني بانها استعادتها ، واخبرتني بأن أحد الشباب وجدها مرمية بين الأشجار أو في مكان لا أتذكر ماهو، وان هذا الشاب النبيل احتفظ بـ (الكاميرا) وترك رقم هاتفه عند مفارز الشرطة الذين اعطوه لرجاء، التي اتصلت به وعرفت عنوانه وذهبت اليه لتستعيد (كاميرتها).
أعود لما بدأت به حديثي وهو التناقض في المواقف لأقارن ما بين هذا اللص الحقير الذي لم يحترم امرأة رقيقة وداهمها وأدخل الخوف والحزن في قلبها ، وذلك الشاب النبيل الذي وجد (الكاميرا) واعادها لصاحبتها، رغم انه كان باستطاعته ان يحتفظ بها مادام لا أحد يعرف بالأمر، لكن غيرته وأصالته وحسن تربيته جعلته يفعل الأمر الصحيح، على عكس نقيضه تماماً، ذلك اللص المتهور الذي ارتكب فعلاً مخزياً أمام مرأى المئات من العراقيين. نعم في هذه الحادثة درس وعبرة لمن يظن ان العراق قد خلى من ابنائه الشرفاء ، وان القبح قد انتصر تماماً على الجمال،فقد قال ذلك الشاب النبيل القول الفصل ، وأثبت لنا وللجميع ان العراق مازال بخير، وان الشرفاء لم ينقرضوا، ومازالوا يمارسون حياتهم بمنتهى الجمال والمحبة والصدق