كتاب الحقيقة

رواية الخبز الحافي.. وعولمة بن بطوطة

نعيم عبد مهلهل

الجزء الثاني

لا أخفي مشاعر القهر التي طغت على الراوية ( الخبز الحافي ) وراويها وهو يوغل في ابعد مناطق الأستلاب والفقر والقسوة ، وكنت دائما اتخيل ردة فعل ( شكري ) أزاء الأب الذي لايعرف الحنان ازاء جميع افراد بيته ، ويوازيها مشهد رد الفعل الذي مارسه شكري اتجاه تلك العلاقة المتنافرة بينه وبين ابيه ليمارسه في حياته اليومية وخاصة مع نساء ربما عشن الحياة مثلما عاشها هو وانتهى بهن الامر في المواخير وارصفة الليل على الميناء او الائي يشاركن اللصوص في المقاهي المتأخرة اصطياد الثملين من السياح او البحارة وجنود البارجات الأجنبية الراسية في الميناء. قرأ ( صويلح ) كتابي وهو راكبا سيارة ( بورش ) في رالي سريع ، وكتبت انا كتابي وانا راكب ناقة ابن طنجة ( ابن بطوطة ) وجنح نورس أستعرته من خيال المغاربة الواقفين على رصيف ( التنابله ) من جهة الميناء وهم يتأملون أطياف المكان الاندلسي ( أسبانيا ) ليذهبوا اليه مهاجرين ، وتلك المشاعر لايحتاج اي زائر وقتا طويلا ليفهمها عن شباب طنجة وأحلامهم التي لاتتوقف في الهجرة الى أوربا ، غير ان الخبز الحافي لم تلتفت الى هذه المشاعر ، لقد كانت الرواية هي رواية ( شكري ) وحده وانا استفدت منها ومن صاحبها لأقرا المدينة من زاوية الرواية العالمية ( الطنجة ) التي عاش فيها الجمال العالمي وتجنس بهويتها ( بول بوولز ، جان جينيه ، هنري ميلر ، داكورلا ، البرتو مورافيا ، مارك توين ) وحتى برلسكوني اختارها لتكون مكانا لحفل عيد ميلاد ابنته الاسطوري. والغريب ان معظم عشاق طنجة هم من الروائيين وهذا يعني ان طنجة هي مدينة ساردة ولا فضل لمحمد شكري في هذا ، بل أن جمال السر في اخيلتها جاءها من طبيعتها الجغرافية اولا وسحر ما تمنح من اجواء ومعاشرة وثقافة وربما ماذكره براين جبسن عن تلك المشاعر خير دليل في قولته المشهورة : أذا قدر لي يوما أن أكون مسلما ، فبسبب الموسيقى المغربية . لهذا في مراجعة متأنية لقراءة كتابي سيرى القارئ اني لم ارتدِ جلباب شكري في روايتي عن المدينة ( الباطن والظاهر ) بل اني في اغلب فصول الكتاب ذهبت الى ابعد من شكري لأروي عن مدينة تشبهني تماما ( شعراؤها ، مقاهيها ، بحرها ، غرباؤها ، خواطر طارق بن زياد ، مجانينها ، وخبزها الحافي ) ، وهذا الشبه جعلني أتكأ على ما منحتني اياه رواية الخبز الحافي لتكون مفتاح الولوج الى مدينة عليَّ ان اروي حكايتها بطريقتي الخاصة كما فعل كل الغرباء الذين زاروها وعاشوا فيها ، ولأني تعلمت الروي في ذاكرة المدينة من خلال أسطرة المكان حتى يكون مهيبا كما تأريخه وهذا ما فعلته في قراءتي لمدينتي ( اور ) ابتعدت عن ظلال شكري وتقاسيم وجهه الحادة كلما اطلقت اجفاني في فضاء المدينة لتكون روايتي وحدها من تتخيل المدينة ويومها وتواريخها وحتى في استخداماتي الاسطورية في رؤيا المدينة رحت استعير هواجس كتب اخرى غير الخبز الحافي ، فكانت رواية ( ايتاليو كالفينو ) المدهشة ( مدن لامرئية ) هي القرين المرئي واللامرئي لقراءة مدينة وفهمها كما طنجة ، وربما هناك الكثير من الديالوكات من تستفيد من سحر حكايات كالفينو عن المدن التي لاترى وخاصة ما كان يجري بين الرحالة قبلاي خان وماركو بولو ولكن وفق اخيلتي وتصوراتي ورؤاي ولم اقتبس شيئا في متن كتابي من كتاب كالفينو ( مدن لاترى ). رواية محمد شكري رواية القاع السفلي للمدينة ، وهي رواية تبسط المخفي وتظهره وتؤرخه بطريقة رد الفعل المعاش ، من مبدع عاش الى سن العشرين أمياً ولكنه تعلم بعد ذلك بعصامية عجيبة ليكتب هذه الرواية ،لتروي لنا تلك العصامية القاسية التي صنعت الكاتب ومدينته. لم تكن الخبز الحافي رواية طنجة كلها كما فهمها ( سهوا ) خليل صويلح في قراءته لكتابي ، فلقد كتبها شكري لحياته هو ، الريف المغاربي في بني شكير عند الحدود الجزائرية وايامه التي قضاها في وهران تلك المدينة الشمالية التي تتعلق في ذاكرة كل تلميذ عربي من خلال ذكرها في نشيد ( بلاد العرب اوطاني ) ، ولكن طنجة تمحورت في الخبز الخالي لأن شكري اكتشف فيها ما كان يكمن فيه وربما هي من علمته ليكون جرئيا ومتفردا واباحيا في كشف كل مشاعره وانفعالاته ، وفي غير الخبز الحافي يظهر لنا شكري ثقافة عالمية عالية وربما رسائله مع المبدع الكبير محمد برادة تظهر ذلك تماما. كتب محمد شكري الخبز الحافي ، وكتبت أنا كتابي ، ولا مجال للمقارنة بينهما لن رواية شكري تعولمت بشكل فجائي وترجمت الى أكثر من اربعين لغة وبيعت بملايين النسخ وبفضلها صار شكري مشهورا ، أما أنا فلم ازل احبو في خواطر التخيل والروي ومن ذوي الطبعة الواحدة ، لكني أؤمن بما اقدم ولن أدفع خطاي ابعد من ايماني فيما أكتب ، ولهذا أنا لا استعجل ولا امتلك الخفة النثرية كما يصفها صويلح ، بل انا اكتب بفضل ما ورثت من اساطير واحلام وفقر وقراءات مبكرة…….!

 

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان