من الماضي

(7) ببيتنا في الزقاق القديم..

رحيم العراقي

 

 وقد سألت أبي ذات مرة :- كيف تعرف بالضبط بداية فصل الصيف..؟. 

فأجاب : لما يبدأ أبيدر يبيع  شلغم فمعناها الشتا جاي.. ولمن يبيع دوندرمه معناهه الصيف اجه..

 بعدها نسمع صياح أم الكيك – هذا الكيك ..إثلاثه إبخمسه ، سبعة إبعشرة – . وكنت امد رأسي من ستارة السطح وأصيح مشاكساً إياها 🙁 هذا الكيك ..إثلاثة إبخمسة ، إثنين إبعشرة ) فتهز يدها ساخرة وهي تبتسم بعذوبة…وقد يمر لوري الجص الذي لا يدخل الفرع في حالة شراء أقل من أربع أطنان من الجص وعلى جانب باب اللوري يقف احد الأطفال ليدله على البيت المطلوب وهو ينظر إلينا بكبرياء وغرور فقد كان الناس يكملون بناء بيوتهم بصبر وتان.. وتخرج جارتنا دلكَامه وتجلس خلف  جدرية الباجلة .. وبعد ان ينفض من حولها الأطفال تجالسها ام إبراهيم فتعيدان سرد ثمثيلية وردة وبدر أو غيده وحمد.. وتبكيان عند مقطع : يا وردة وين الوعد..او تتبادلان رواية مقتل الإمام الحسين عليه السلام مع إضافة تفاصيل جديدة نسيها المؤرخون ..و يمر من هنا باعة شعر البنات والفرارات والعالوچه ..وكان الأخير ينادي : خص….. الزايرة إعلوچ .. فتضحك النساء وكانهن يسمعن ذلك لأول مرة.. ثم يصل عبود المضمد بدراجته الهوائية لتفقد مرضاه و زرقهم بالأبر وبسبب – سدارته- ولكنته البغدادية كان يعامل كخبير أجنبي و تفضله النساء على قاسم المضمد الذي دخل مستشفى – سبيتار –عام 1957 مريضاً وخرج منها مضمداً. وكان يقول لمن يذكره باهذا الأمر : أنا ما صرت مضمد إلا بعد أن صرت مشخله – مصفاة الرز –    . وضحى كل يوم يمر من هنا شيخ جليل تجاوز السبعين من عمره  هو اجبير أبو الحصران حاملاً  الحصران الثقيلة على رأسه و المكانس وعلاليكـَ خوص النخيل على كتفيه .. وأذكر ان والدتي اشترت منه مكنسة وأبطات عليه في الدفع فقال وهو ينوء بحمله الثقيل:

–  ها ام كريم شمتانيه..؟.فقلت له : تنتظر تنطيهه الكتالوك ..

ثم تمر – ام السنون – وهي امراة من أرمينيا السوفيتية تقوم بتركيب اسنان الذهب والفضة كبدل تالف او مفقود من الأسنان و بسعر لا يتجاوز الدينار الواحد .. و يمر – الرفيكـَ – الهندي أبو الريحة الذي قال له إبراهيم حبتر الذي أطلق سراحه مع شقيقه عدنان و 300 شيوعي من نكَرة السلمان حديثاً : 

– رفيكـَ ..انت هم يكتب تقارير مال كسران ركَبه..؟.. ويمر الشحاذون تباعاً.. منهم من يحمل كيساً و يطلب الطحين.. أو كـّفاً من الألمنيوم تبركاً بالعباس عليه السلام ..أو السيّد الذي ينشد  بصوته العذب أشعاراً شعبية عن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.. حيث كان – سادة – ذلك الزمان من الفقراء والمتعففين..أما بيتنا فقد طرقته ولكن لم يجب أحد.. فقالوا انه مهجور و معروض للبيع :

ـ انه مشتاكَـ  ..أكثر من عذابي و طول الغّياب 

انه حملي كسر ظهري..والتـّچيت عالباب..

إنفتح  باب الجرح والحوش..

وباب أسراري من صدري

اعصار وجرف  كل عمري

وانفـتحـت بروحـي أبواب .. أبواب…

أول ما دست.. ياحوشنه الضـيكَـ

ينازل للخصر.. كاشيه مكسورة

لمن چِـّـنـه    نزحف چِانت اتطكَـطكَـَ

ايه ياحوش يزغيرون

يامن چان كل  الكون .. 

طبـّكَـناه بلف ياعلي.. و كل كاشية من فد لون

لسه بحوشنه يم قاطع الدورة ..على البسمار

أوراق الكهرباء والماي والحـّراس والتليفون

والرازونه..لسّـه امشّـرعة اعله الكون..

..تهب نسمات خجلانة ..

تمر خطوات تعبانة..

تمر أوجوه محتركّة بسموم الصيف..

مثل كابوس لو هذيان ما بين الصحو والطيف..

صدى وأصوات حدادين.. فتاحين فال..

امجاديه .. امخابيل.. خياطين فرفوري

بياعين حصران ومكانيس.. وسِلال اثروب

و ابطون وسمچ تايخ وطير الماي والزوري

وسدارة حجي عبود المضمد تخطف بسرعه

على بيسيكل حجمة ثمانية وعشرين..

و وجه مليان جص .. ابصفحة اللوري..

 

واسماعيل اجه.. وأركض أفك الباب  

– ربع قالب ثلج ..فصّين..مكسور

و هاي الورقة .. خلّه ابجيبي امنشور ..

 و سبع نسوان يتحزمن.. ويكتمن ضحكهن..

.. زلم ..صوب الفاتحة ..يروحون…

لواعيب السكك والقوة والشرطة 

يتشاقون..و يضحكون..و يسّلمون 

رسن .. مجبل عبد..كاظم أبو العصبة

جمعه عليوي  ، مزعل ..كاظم لعيبي.. 

حسن حياوي..فالح.. تركي ..حنون 

وبشـّار.. وتتبعه اعيون و عيون..

و.. ذهب ..فضة .. رحي وسنون..

وبنات المدرسه يمُــرّن ..

عطرهن والخصر يلهث على الشيفون

والرازونه..لسّـه امشـرعة اعله الكون..

عبر منها الضوه.. والرشِـكَـ يا ما دكّـ على الكرتون..

.لسّـه بحوشنه امصـّلى عتيكَـ وباريه وصينية الفافون

وطيارة ورق مكَطوعة وجعاب

ودعابل ملحه وابطاله سفن آب..

..أنه الناسي الطفولة وسافر وشاب

ورجعت البيت ..شفت البيت..

..يشبه عش الغراب..

حتى الصور عالحيطان ما حفظت ملامحهه ..

انمحت.. ذابت ..وغابت  ضمن من غاب

لكَيت بحوشنه امرايه على الكاشي

شفت بيهه وجه محتار.. ما مفهوم ..

لا راجع ولا ماشي..

شفت عيون تعبانة وتجاعيد وسمار وشيب وتراب..

..بعد بـيَّ محبة ..ومامش احباب

بعد بـيّ  لعب..و صحابي متغربين..

لو أموات..والباقين شِيّـاب..

چِـنـّه اطفال متعلكَين بالبسمارعلى حيطان غرفتنه..

بصـوَرنه   واحنه طلاب..

بالمدرسه..بعمر أربعطعش أو دون

ابكَـهوة بشـارع السـعـدون

واحنه شـباب

صورنه الحمره ..واحنه اوجوه ممنوعة

وصورنه الخاكي …وإحنه جنود

مشرورة ملابسنه على الأسوار..والأسلاك مكَـطو عه

وصـَّل قمصان..فانيلات..مو رايات مرفوعة..

مهزومين..مختنكَين.. مشتاكَـين.. يا أحباب

مشـتاكَـين.. نشـــتـّم الهـوى المـا هـاب

دوّخـنه الفقر والحرب يا ديلاب عيد اضحيه..

يا هـّم ..يا وكت.. يا عمر..يا ديلاب..

..ياحـوش الطفـولة الماعرفناهه

ولا شاهد علينه إيكَول عشناهه

الشمس حركَت سطحنه و..جير..

من مرزيبنه المشروم ينزل جير

ودم متخـثر بريش العصافير

على شِبّـاك غرفتنه و ستايرنه

المخـتنكَة  بجكَـــايرنه

بأثر إيدي على الشباك من كنت انتظر..و ارسم مشاوير..

بتاريخ امتحان الهندسة والجبر مـكـتوب بطباشير

ينزل جــير

..على بصمات وردية

بكَـشر زهدي وجنحان الصراصير.

لا لوحه  ولا منظر طـبيعي ولا تصـاوير

بحيطـان الغـرف.. جـير وبسامير…

قد يهمك أيضاً