مازن لطيف
ظل الأكراد وما يزالون ضحية لقوى دولية وإقليمية وصراعات داخلية بين الاحزاب بسبب المصالح السياسية والتجارية والاقتصادية العسكرية يذهب الأكراد ضحايا تلك المصالح على حساب قوميتهم ولم شملها. جاء ميلاد جمهورية مهاباد لامتداد نضال الشعب الكردي في كردستان الشرقية.
الأوضاع السياسية
كان الأكراد في إيران من بين تلك القوميات التي حرمت من حقوقها القومية في عهد رضا شاه.. تشمل المنطقة الكردية في ايران على أربع محافظات في غرب ايران وهي أذربيجان الغربية، مهاباد، كرماشان، عيلام، كانت سياسة طهران هو طمس الثقافة الكردية ومعالم تاريخها وكذلك سياسة التهجير وتجريد الكرد من أسلحتهم.. هذه هي السياسات الشوفينية للأنظمة الرجعية ضد الشعب الكردي ليس في ايران فحسب فنفس الأسلوب اتبعته الحكومات العراقية تجاه الشعب الكردي في العراق..
احتلت بريطانيا الاتحاد السوفيتي غربي إيران عام 1941 وضغطت على حاكم طهران رضا شاه عن التخلي والتنازل عن العرش.. حيث كان رضا شاه موالياً لألمانيا، فاستلم السلطة ابنه محمد رضا شاه.. تركزت بريطانيا في كرمنشاه.. أما الاتحاد السوفيتي فاحتل أغلب القسم الشمالي والغربي من أذربيجان وحتى الخط المار من اشنويه إلى مياندواب جنوباً حيث سمحت القوى المحتلة بظهور حالة من الفراغ في المناطق الكردية الداخلة ضمن المنطقة الممتدة من مهاباد إلى سقر الواقعة ضمن منطقة نفوذ الاتحاد السوفيتي والخارجة من سيطرتها المباشرة أو المنطقة الممتدة جنوباً من سنندج، الداخلة ضمن منطقة النفوذ البريطاني لكنها خارج السيطرة الفعلية للقوات الإيرانية العاملة هناك بموافقة بريطانيا.
حاولت بريطانيا أن تدعم الحكومة الإيرانية.. أما الاتحاد السوفيتي فكان متأرجحاً ومتقلباً بشأن الطموحات الكردية.. حيث أخبروا الأكراد بأن الاتحاد السوفيتي بدعم حق تقرير المصير للأقليات، لكن الظروف لم تكن ناضجة بعد الاستقلال الكردي.
كانت طبيعة السلوك السياسي السوفيتي تجاه الكرد أكثر وضوحاً في النصف الثاني عام 1945.. حيث طلب باقروف من نماز علي أوف الذي كان قائد القوات السوفيتية في مياندواو بالطلب من قاضي محمد بتشكيل وفد مكون من رؤساء العشائر لزيارة باكو للحوار حول مستقبل الأكراد، فترأس القاضي محمد الوفد.. كانت الزيارة ذات طابع سياسي.. وكانت حاجة الوفد إلى دعم عسكري ومالي لقيام جمهورية كردية فأخبرهم باقروف إلى أن قيام حكومة كردية في ايران موضوع سابق لأوانه حيث قال “ليس هناك من حاجة تدعو الكرد إلى الاستعجال في أقامة حكمهم الذاتي لأن حرية الكرد يجب أن ترسي بأسسها على انتصار القوى الشعبية لا في ايران وحدها بل في العراق وتركيا وأن دولة كردية منفصلة هو مما يفضل بحثه في المستقبل عندما تحين الفرصة وعلى الأماني الكردية في هذه الأثناء أن تقتنع ببقائها ضمن إطار الحكم الذاتي لأذربيجان.. احتدم النقاش بين الوفد الكردي برئاسة قاض وبين السوفيت حول بقاء مهاباد وضمن إطار الحكم الذاتي لأذربيجان.. وعد باقروف الوفد الكردي بأن الاتحاد السوفيتي سوف يدعمهم عسكرياً ومالياً.. وبعد هذه الزيارة لباكو برز زعيمان كرديان هم قاضي محمد وعبد الله الكيلاني فالأول هو ابن أخ فتاح الذي حاول في منقلب القرن الحصول على حكم ذاتي لمهاباد أيضاً، أما الشيخ عبد الله الكيلاني فهو أحد ابناء الشيخ عبد القادر الكيلاني وقد جاء من العراق إلى مركور في عام 1941 بعد احتلال الحلفاء.
إعلان جمهورية مهاباد
في الثاني والعشرين من كانون الثاني عام 1946، وفي احتفال كبير وأمام حشد من الأكراد والعديد من رؤساء العشائر ورجال الدين، أعلن القاضي محمد في ساحة (جوار جرا- المشاعل الأربعة-) في مهاباد عن تأسيس جمهورية مهاباد الكردية، ورفع العلم الكردي لأول مرة، وانتخب ممثلو جميع الطوائف والعشائر القاضي محمد ليصبح رئيس جمهورية مهاباد.
ألقى القاضي محمد خطاباً جماهيرياً في وسط مهاباد مستعرضاً تاريخ شعبه الكردي مؤكداً أن لشعبه حقاً في تقرير مصيره.. ودعا في نهاية خطاباه إلى توحيد صفوف الكرد واستغلال هذه الفرصة التاريخية لتحقيق الدولة الكردية والتطلع نحو الاستقلال والحرية.. وبعد ذلك تشكل الهيئة الوزارية:
1. حاجي بابه شيخ رئيس الوزراء
2. محمد حسين سيف القاضي وزير الحربية “الدفاع”
3. محمد أمين معيني وزير الداخلية
4. أحمد إلهي وزير الاقتصاد
5. كريم أحمديان وزير البريد والبرق
6. حاجي عبد الرحمن الباخي زاده وزير مشاور “الدولة”
7. مناف كريمي وزير التربية
8. صديق حيدري وزير التبليغات “الأعلام”
9. خليل خسروي وزير العمل
10. حاجي مصطفى داوودي وزير التجارة
11. محمود ولي زاده وزير الزراعة
12. إسماعيل اليفاني زاده وزير الطرق
13. سيد محمد أيوبيان وزير الصحة
14. الملا حسين مجدي وزير العدل .
وقد أكد القاضي محمد أن جمهوريته لا تستهدف الانفصال لكن لوضع حد لسياسة طهران تجاه الشعب الكردي وضمان الحكم الذاتي للشعب الكردي. وقد ذكر القاضي زهير كاظم عبود أن القاضي محمد “يقلب صفحات التاريخ الكردي بدقة ويستل منها ما يؤثر في نفوس الكرد، وتشير الكتابات التي وصلتنا عنه المنتشرة في المنطقة ومن مختلف طبقات الشعب الكردي” ويذكر عبود أن دعوة القاضي محمد “انتشرت بين الناس انتشاراً سريعاً مثل البرق وتوسعت القاعدة الشعبية لأعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني في المدينة لتحتوي أغلب شباباها وشيوخها وحتى نسائها، وأمام حالة رد الفعل لما تقوم بها السلطات القمعية الشوفينية تجاه الكرد، ومع وقوع حوادث سياسية وأمنية استفزت الجماهير الكردية لتنتقص برمتها على القوات الإيرانية، وتستطيع السيطرة على مجمل المناطق كاملة في يوم 17 كانون الأول عام 1945”.
أهم منجزات جمهورية مهاباد
بالرغم من أن جمهورية مهاباد لم تدم إلا أحد عشر شهراً إلا أنها كانت حافلة بالمنجزات العظيمة بالقياس إلى عمرها الزمني نذكر من أمثلة تلك المنجزات:
1. تأسيس محطة للاذاعة في مهاباد وكذلك تأسيس سينما جوالة لتوعية الأكراد.
2. أزدهار ثقافي معرفي في كل المجالات إصدار صحف إصدار مجلات، دور نشر، تأسيس مطبعة كردستان يديرها عبد القادر مدرسي.
3. رفع العلم الكردي لأول مرة والمكون من ثلاثة ألوان في الأعلى اللون الأحمر والأبيض في الوسط والأخضر في الأسفل أما شعار جمهورية مهاباد وسط العلم فهو عبارة عن قلم وسنبلتين من القمح.. حيث يرمز القلم الى اهتمام الجمهورية بالعلم والثقافة وسنبلة القمح ترمز الى الانتاج والعمل.. وكانت الشمس في أعلى الشعار تشرق لترمز للحرية.
4. وضع النشيد الوطني لجمهورية مهاباد وضع كلماته الشاعر الكردي “هجار” ولحنه المهندس نوري صديق شاويس:
نفطنا هو ماء الحياة
من سرت حتى كرمنشاه
وبابا كركر يدري أيضاً
وهو لدينا في الموصل كذلك
5. المشاركة أساسية للمرأة لأول مرة وكذلك تأسيس اتحاد نساء في جمهورية مهاباد وقد شجع القاضي محمد المرأة على الدخول في العملية السياسية الاجتماعية وقد شجع زوجته وبناته على المشاركة.
6. فتح عدد من المدارس لكلا الجنسين باللغة الكردية التي اصبحت لغة رسمية في مهاباد وكذلك تعليم الأميين في مدارس مسائية.
7. تأسيس قوات البيشمركه.
8. الاهتمام بالمسرح الكردي لأول مرة في مهاباد.
نهاية جمهورية مهاباد واستشهاد القاضي محمد.
حلم تحقق واندثر خلال مدة وجيزة دامت فقط ثلاثمائة وثلاثين يوماً، إنها جمهورية مهاباد الكردية التي ستبقى رغم الانكسار نجمة تلمع في سماء الكرد.. كانت ثقافة رئيس جمهورية مهاباد في الكتاتيب لكن ثقافته الحقيقة تشربها من والده وكذلك من مكتبة والده.. عمل قاضي محمد رئيساً لدائرة الأوقاف في مهاباد بعد أن أصبح قاضياً علا نجمه وذاع صيته بسرعة مدهشة.
أصدر قوام السلطة الأوامر على الجنرال هاشمي قائد الفرقة الثالثة بالتوجه بقواته إلى مدينة زنجان فتمكن في السيطرة عليها دون اية مقاومة من الأذربيجانيين، وبعد ذلك اجتمع محمد رضا شاه وقوام السلطة مع عدد من كبار قادة الجيش ووضعوا خطوات للهجوم على أذربيجان ومهاباد.. أرسل قوام السلطة إلى قاضي محمد رسالة كتب فيها “نظراً لاتخاذي قرار إجراء الانتخابات تحت اشراف قوات الأمن الحكومية التي سوف ترسل إلى المركز –طهران- فيجب أن تجري الانتخابات في المناطق الكردية التابعة لأذربيجان بالتعاون معكم لذا من الضروري أن تحدد و كيفية التعاون مع تلك القوات في مدن خوي، وشابور، ورضائية ومهاباد ونظراً للتعاون الذي أبديتموه خلال هذه المدة أتمنى أن تساعدنا في إنجاح هذه المهمة”… لكن رئيس جمهورية مهاباد رفض واعترض على إرسال قوات… دخلت القوات الإيرانية إلى أذربيجان التي لم تقاوم أبداً مما ترك آثاراً معنوية على قادة جمهورية مهاباد.. قرر القاضي محمد الاستسلام بعد قراءة الموقف الصعب للأكراد.. كان قاضي محمد خارج مهاباد مما اضطر العودة إلى مهاباد حيث دعا القوات الكردية المسلحة الخروج من المدينة وتوزيع الأسلحة على البرزانيين الذين أصروا وتمسكوا على مقاومة الجيش الإيراني.. سيطرت القوات الايرانية في السابع من كانون الأول على مهاباد واعتقلت القاضي محمد مع عدد كبير من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في مهاباد.. وشكلت محكمة عسكرية ميدانية لمحاكمة قاضي محمد وأخويه.. كانت تلك المحكمة سرية.. طلبت المحكمة من قاضي محمد لاختيار محامين للدفاع عنه.. فاختار قاضي محمد اثنين من الضباط الحقوقيين اللذين يعرفهما في طهران.. وهو العميد أصلاني والعقيد موسى شاقولي.. لكن المحكمة رفضت ذلك وطلبت منه اختيار أحد الموجودين في الثكنة العسكرية الموجودة في مهاباد.. وجهت إلى القاضي عدد من التهم وصدر على أساسها قرار أعدامه.. وطعن قاضي محمد بالمحكمة بشدة معتبراً أنها محكمة عسكرية في حين أنه رجل مدني، وهذا لا يجوز، وكذلك لم تمنحه المحكمة اختيار محامين للدفاع عنه وكذلك أن المحكمة تحاكم المتهمين بصورة فردية وليست جماعية.
وفي 30 آذار نفذ حكم الاعدام برئيس جمهورية مهاباد القاضي محمد ومعه أخويه سيف القاضي وصدر القاضي.. بعد انتهاء محكمة التمييز أعيد قاضي محمد وأخويه إلى السجن لكن الأوامر جاءت بسرعة لتنفيذ حكم الاعدام فوراً وبدون تأخير.. طلب المدعي العام من قاضي محمد بكتابة الوصية فكتب الوصية الأولى للشعب الكردي أما الوصية الثانية فكتبها لعائلته.. أراد الجلادون أن يعصبوا عينيه إلا أنه رفض حيث قال “أنا لا اشعر بعار كي يعصب عيني أمام أمتي ووطني الحبيب أنا أريد أن أنظر إلى وطني الجميل والحبيب في آخر لحظة من حياتي “ أما آخر كلمة على لسان الشهيد قاضي محمد فهي “عاشت الأمة الكردية، عاش تحرير كردستان”.
هناك عدد من العوامل الداخلية والخارجية هي التي ساعدت على انهيار جمهورية مهاباد، أسباب خارجية وإقليمية لكن السبب الداخلي هو السبب الرئيسي حسب ما يذكر المرحوم عبد الرحمن قاسملو الذي اعتبر أن الشعب الكردي هو سبب الانهيار الأول، الاسباب الداخلية هي:
1. الجهل العام للشعب الكردي حيث يسود الجهل والأمية بنسبة 90%.
2. اعتماد القاضي محمد بتشكيل حكومته على الاقطاعيين والأغوات الكبار وهؤلاء معظمهم معادن للجمهورية، وخانوا الشهيد قاضي محمد خوفاً على تحول جمهورية مهاباد إلى جمهورية اشتراكية، فلم يكن باستطاعتهم أن يضحوا باقطاعيتهم في الأرض، من أجل دوام الجمهورية.
3. لم يتم تحرير كردستان بصورة كاملة بل حررت ثلث الأراضي الكردستانية فقط.
4. الموقف الشعبي الكردي من السوفيت لأن الكرد معظمهم يدينون بالديانة الإسلامية والدعاية الاستعمارية كانت بين العوام أن السوفيت كفار وملحدون.
5. لم تقم الجمهورية بأي اجراء ثوري اجتماعي، فبقيت الحركة قومية بحتة حيث أنهم لم يوزعوا الأراضي على الفلاحين، وبقي المالك اقطاعياً ولم يتغير شيء فاستاء الفلاحون الفقراء من الجمهورية، وكان من الواجب الاعتماد على الطبقة الأكثر راديكالية في المجتمع.
6. كانت علاقات الانتاج في كردستان اقطاعية متخلفة، بينما في إيران كانت برجوازية ناشئة.
المصادر:
1. هزان سليمان الدوسكي- جمهورية كردستان- دار سبيريز للطباعة والنشر- دهوك 2005.
2. ديفيد مكدول- تاريخ الأكراد الحديث- دار الفارابي- بيروت- 2004.
3. زهير كاظم عبود- الشهيد قاضي محمد رئيس أول جمهورية لكردستان- موقع الحوار المتمدن- انترنت- 2003.
4. جان أحمد سلو- في ذكرى استشهاد قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد- موقع الحوار المتمدن- انترنت- 2005 .