داود سلمان الشويلي
يختلف الشعر عن السرد ، إذ أن الجملة عند كتابة النص السردي ، مهما كان طولها ، ومكوناتها ، تتجزأ حسب المعنى بواسطة علامات الترقيم ، كالنقطة ، و النقطتين الرأسيتين ، و الفارزة ، و الفارزة المنقوطة ، و الوصلة المعترضة ، و علامة الاستفهام ، و علامة التعجب، و علامة الحذف ، و الاقواس الكبيرة ، و الاقواس المزدوجة الصغيرة … الخ . و هناك سبب منطقي في وضع أية علامة في المكان الواجب وضعها فيه ، انه يتبع نوع الجملة من حيث الغاية منها . وقد ذكرت الأديبة المصرية رضوى عاشور: أنها تناقشت مع الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي , لمدة ثلاثة أيام حول مكان فاصلة واحدة حتى اتفقا. وهذا يدل على أهمية الفاصلة ومكانها .
أما في الشعر فالأمر يختلف ، إذ انها تتبع الايقاع ، إن كان مخفيا أو معلنا للاذن . وربما تستمر الجملة الواحدة في الشعر على طول بيت أو بيتين أو أكثر .
و نحن في هذه الدراسة سنقدم وصفاً لما يحمله النص الشعري – بجمله أو أبياته الشعرية – من أدوات نحوية / شكلية تجعله أكثر تماسكاً لو تظافرت مع أدوات أخرى سوف لا تقترب منها هذه الدراسة خشية التطويل .
وهذه الدراسة ترصد عدداً من عناصر الاتِّساق في النصوص الشعرية المختارة. وقد استندت إلى الكشف عن آليات الاتِّساق من خلال رصد عناصر الوصل والربط في أبيات النص الشعري .
***
إن الشاعر هشام القيسي في ديوانه الأخير الذي اختار له عنواناً من ضمن العناوين الداخلية التي وضعها في رأس كل مجموعة من النصوص ، و هو عنوان ” يفيض شطر النهار” ، قد قسم “ديوان شعره ” هذا الى ستة أجزاء حملت عناويناً مختلفة ، هي : (( يفيض شطر النهار . لم أرَ فيك إلا . وسع هذا المدى أغنيك ، لا تعرف مابي ، أحوال ، مثل الأنهار)) .
فهل نعد هذه العناوين هي عناوين لمجاميع شعرية منفردة جمعت داخل دفتي كتاب ؟ أم انها تعد عناوين رئيسية تضم داخلها قصائد تتحدث عن المجال الذي يعنيه كل عنوان ؟ أم غير ذلك ؟
كلا الاحتمالين يصدق على المجموعة الرئيسية المعنونة بعنوان أول مجموعة من المجاميع الست ، فهي مجاميع شعرية ست ، تحمل كل مجموعة بعض القصائد ، و في الوقت نفسه قصائد المجموعة هذه أو تلك تحمل ما تشترك فيه من أفكار و موضوعات .
ليس هذا ما تريد أن تؤكد عليه هذه الدراسة أو تدرسه ، و إنما ذكرت هذا الأمر ليساعد هذه الدراسة في اختيار النماذج التي تدرسها ، أو بصورة أدق لتفحصها ، حيث استخدم الفحص كمفهوم عام تعطيه الدراسات النقدية التي أقوم بها ، وخاصة ان الدراسة هذه تعتمد الوصف والاحصاء لمحتوى المجموعة الشعرية .
هذه الدراسة ستختار لها نماذج لدراستها من المجاميع الست للديوان الرئيسي ” يفيض شطر النهار” ، إذ تختار من كل مجموعة نصا واحدا لفحص ما فيه من أدوات الربط النحوية لكي نصل الى النتائج النهائية التي توصلنا الى القول فيما إذا كان هذا النص أو ذاك ، أو مجموعة النصوص قد استخدمت هذه الأدوات فيما بين مكوناتها الاساسية و في بنائها اللغوي و العام ، و بأي عدد كان ، وهل كان استخدام الشاعر مفرطاً ، أم كان مقتصداً لدواعي اشتراطات قصيدة النثر .
***
النصوص التي تختارها الدراسة هي : (ما تبقى مني ، ذاكرة ، أغنية ، فضاء ، نهار ، موعد ) ، و قد كان اختيار هذه القصائد عشوائياً ، كي لا تكون الدراسة منصبة على موضوع ، أو فكرة ما .
***
جدول / النصوص الشعرية المختارة و أدوات الربط
الخلاصة :
بعد فحص واحصاء أدوات الربط في القصائد العيّنة التي اخترناها لهذه الدراسة ، علينا ان نستخلص منها بعض الملاحظات عن ذلك .
إذ تبين لنا من الجدول اعلاه ما يلي من النتائج :
– أداة ” الواو ” قد استعملها الشاعر أكثر من الأدوات الأخرى ، و لكن دون الافراط . و قد تفاوت استعمالها بين القلة و الزيادة ، إلّا انها تبقى هي الاداة المستعملة بكثرة . و هذا معناه ان الشاعر بحاجة الى أداة تقوم بربط جمل القصائد الشعرية فيما بينها ، أو ربط أشياء مادية أو معنوية فيما بينها .
أ – ربط الجمل :
1 – فمن هناك يتوقد
{و} من هناك يتمدد
{و} حيثما يتخطى بوابات العمر .
2 – كي ترى صوتي الممدد
{و} أبوابه المفتوحة .
3 – كل ما ملك قلبي
{و} كل ما شجت أوتاري .
4 – فضاؤها لا ينتهي
{و}المدى يسع لكل لحظات التجلي .
5 – عشق لا ينتهي
{ْو}هوى يألفه الفقراء .
6 – تساؤل يمضي إلى مايشاء
{و} إلى حيث يرتوي
{و} لايرتوي برجاء
***
ب – ربط الاشياء المتنوعة :
1 – وهي تقصد كل اتجاه
{و} تتسلل إلى كل أشيائي .
2 – تجهز ألآمها
{و}علاماتها
{و} تحكي
{ثم} تبكي .
3 – إن المجد فيك يهدر
{و}إن الزمن فيك يكتمل .
4 – تعلو {و}تتجول في دمي .
5 – هي ذي أوراده
شأن
{و}صحو
{و}فضاء ..
6 – لاتستر الحروف
{و}لاتركع .
2 – في قصيدة ( ذاكرة ) استعمل الشاعر أكثر من أداة رابطة ، أما بقية القصائد فكان استعماله لأداة واحدة غير أداة ” الواو” ، أو مرتين كما في قصيدة ” ما تبقى مني ” .
3 – لم يستعمل الشاعر الادوات الاتية ( أو ، أي ، بل ، هكذا ، إذن ، بعد ، منذ ، رغم ذلك ، على نحو ، غير ان ) لعدم حاجته اليها في بناء لغة قصائده الشعرية ، خاصة في قصيدة النثر التي تتطلب الاقتصاد والكثافة والايجاز اللغوية .
4 – ان قلة استعمال الشاعر لهذه الادوات – على الرغم من أن أدوات الاتساق الاخرى قد استعملت ، و لكن دراستنا هذه منصبة على ادوات الربط فقط وخاصة أدوات العطف – ليس معناه ان قصائد المجموعة بصورة عامة غير متماسكة و متسقة ومنسجمة فيما بين أبياتها الشعرية فباتت قصائد مفككة غير مترابطة المعاني و الدلالات ، لكنها قد استعملت الادوات الأخرى للتماسك ، فجاءت قصائد مترابطة الأبيات ، ومن ثم الدلالات و المعاني ، لهذا إنها قد استجابت لمتطلبات و اشتراطات اللغة في قصيدة النثر ، و في الشعر بأنواعه .
تبقى قصائد هذه المجموعة الشعرية مترابطة متماسكة داخلياً مع احتفاظها بلغة شعرية تتصف بالاقتصاد و الكثافة و الايجاز . وهذه المعادلة بين وجود قصائد متماسكة متناسقة و في الآن نفسه بين استخدام لغة شعرية تتصف بما تتصف به اللغة الشعرية التي توافق عليها الشعراء ” الفحول ” و الذين درسوا اللغة الشعرية لتلك القصائد ، و النقاد هي الذي نستخلصها من قصائد المجوعة .
(*) فصل من كتابي الجديد (آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الادبي).