حوار – نهاد الحديثي
يملك رؤية سياسية ووطنية عميقة ، يدرك أن وطنيته وخزائن علمه لاتسمح له ان يكون ضمن جوقة من الصفاقة الذين يكررون او يتوهمون انهم انجزوا شيئا ً ، لكنهم كي اكون دقيقا ً ، نعم انجزوا لانفسهم جراء الاستحواذ والانتقام ،املاكا وضيعا ومقاطعات في بلاد الغرب والشرق، سرقوا شعبهم وبددوا المال العام وظلت مدنهم حزينة قابعة في جوف التاريخ مؤطرة بالقهر والحرمان ، وتنعموا هم في بحبوحة عيش ما كانوا يحلمون بها حتى لو كانوا في اصطفاف ملاذات عوالم الف ليلة وليلة . الجابري قطعاً، ليس مثل هؤلاء تمسُكه الكثير من الثوابت والتجارب التي ترسخ لديه فكرة ان لايكون في جوقة الصفاقة في أي ائتلاف سياسي ، لانه سيكون نغمة نشاز في وسط المتعلمين من اقرانه وسينبرى له عشرات الدارسين في صفه السياسي ليسالوه:؟
ويملك الجرأة ان يقول أخطأت او أخطا من كان معي، وغالى من اراد اخافتي، وانصف من كان واثقا من نفسه وتربع على عرش قول الحقيقة بالرغم من مرارتها وشدة وقعها – لا يقبل ببضاعة فاسدة اضحت تزكم الانوف وتحتاج الى التغيير قبل الانقلاب الكبير الذي سيحدث بعد وقائع الانتخابات المقبلة. نعم سنصل الى خيبة كبرى يخشاها البروفيسور نديم الجابري الذي يسمعه قلة من أقرانه وتلاميذه المتعلمين ويسخر منها المغامرون الذين عقدوا راية الفساد وعلقوها في مضافاتهم ، وبددوا حلم العراقيين في الوسط والجنوب ومدن أخرى، الذين ظلت مدنهم ومدارسهم مدنا ً ومدارس من الطين واللبن وقصب البردي، كانها كما بناها اسلافهم الاكديىن والسومريون، خالدين في جوف التاريخ، لم تمسسهم ثروة النفط ولم يشعروا بابواب الابنوس والصاج التي بنيت مدن الخليج القريبة وتنعمت بيوتاتها بنتائج عصر النفط الذي وفرّ ثروات غير مسبوقة لمئة عام . الطبقة الحاكمة لاتفهم طبيعة المتغير الدولي ولاتعرف ان بناء الامم تاتي وتحدث في لحظات تدفق المال الذي يوضع على التعليم والصناعة والزراعة والمكننة وبناء المدن الحصينة من الحجر والمرمر لا من الطين المخلوط بالتبن كما يبني العراقيون الجنوبيون مدارسهم ويكتنز (المعبد ) السومري الاموال وسبائك الذهب الى لحظة سقوط العاصمة العباسية سنة 1258 حين قال المغول لاخر حاكم عباسي حكم وتنعم في بغداد : كل ّ هذا الذهب الذي اكتنزته، ولم تنفقه على شعبك الذي تركك وحيدا ً؟
الم يقل الفكر العربي كيفما تكونون يولى عليكم ! وهانحن نحصد ثمن هتافاتنا لمنتهكي المال مبددي عصر ايرادات النفط، حارمي الشعب من التطور ، والاقدام على بناء ما فاته ، هل قلت لهم ذلك يا استاذ نديم ؟ :
*سألته / الانتخابات المبكرة القادمة هل تتوقعون انها ستجري في موعدها؟ ودرجة نزاهتها؟ وهل ستدور الوجوه الحاكمة نفسها؟
-ان لم تجر الانتخابات المبكرة في موعدها المحدد فان الانتخابات الدورية ستأتي في وقت قريب لذلك فأن موعد الانتخابات لا يعني شيئا سواء جرت في موعدها او في موعد اخر الاهم ان الانتخابات القادمة لا يبدو أنها ستكون نزيهة و ذلك واضح من خلال مقدماتها من تشكيل المفوضية العليا للانتخابات بالطريقة السابقة ذاتها الى سن قانون للانتخابات، لم يراع الا مصالح الاحزاب الحاكمة ثم جاءت الدوائر الانتخابية المعتمدة مفصلة على مقاسات المكونات أولا، و مقاسات احزاب السلطة ثانيا ، و مقاسات الأشخاص ثالثا ، ثم ان ادخال القوات الامنية و العسكرية لا يعد مقدمة سليمة كون نمط تصويتها يكون راجحا لمن في السلطة. كما ان ادخال النازحين الذين يعانون القهر الاقتصادي ليس امرا سليما . اضافة الى انتخابات النزلاء و تصويت الخارج، كلها مقدمات يمكن التحكم بنمط تصويتها بشكل مباشر او غير مباشر . عليه فأن الانتخابات القادمة ستكون على الارجح انتخابات غير نزيهة و ستعيد انتاج نفس القوى السياسية، مضاف لها بعض الوجوه الشبابية التي شكلت احزابا رديفة لاحزاب السلطة داخل ساحات التظاهر. تحديد موعد الانتخابات المبكرة لا يمثل سوى مناورة سياسية لاحتواء الاحتجاجات الشعبية التي مثلتها انتفاضة تشرين الإصلاحية.
ويضيف : ان الديمقراطية زرعت في غير ارضها و في غير أوانها – عليه من الضروري مراجعة الخيار الديمقراطي في العراق ريثما يستعيد الناخب وعيه ، و ريثما تستعيد الطبقة الوسطى دورها في بناء الدولة ، و ريثما تتم مراجعة القيم الاجتماعية و الدينية و الفكرية المعيقة للخيار الديمقراطي ، وريثما يميز المواطن ما بين الفتوى الدينية و الرأي السياسي ، و ريثما تتوفر طبقة سياسية مشبعة بالثقافة الديمقراطية، و احترام الرأي الآخر، الراي السياسي على غرار ما حدث في أوربا في عصر التنوير، و ثورة دينية على غرار ثورة الإصلاح الديني في أوربا، والتي قادها مارتن لوثر و كالفن، والتي فتحت الأبواب امام الدولة المدنية بأهدافها الثلاثة . و بخلاف ذلك ستقع البلاد في أتون فوضى عارمة تفتح بوابات البلاد للاجنبي المحتل و الإرهابي المختل.
*وكيف ترون خارطة التحالفات السياسية القادمة؟
-التحالفات لن تتجاوز تقاليد و ضوابط العملية السياسية القائمة على اساس المكونات الاجتماعية التقليدية.
*ثوار تشرين يطالبون بوطن حر مستقل ويؤمنون أن ذلك لا يتحقق في وجود الطبقة السياسية الحالية _ كيف تعلقون؟
-ثوار تشرين بلا شك مثلوا بارقة امل في انقاذ العراق رغم ان انتفاضة تشرين كان ينقصها قيادة سياسية محترفة و مشروع سياسي بديل و متكامل . ان مهمتهم صعبة للغاية ما لم : تبلور لنفسها قيادة سياسية محترفة تكون مدخلا لإيجاد طبقة سياسية جديدة. ٢ – تغيير وسائل الحكم العقيمة و بلورة وسائل جديدة تتسق مع ارث الدولة العراقية العتيدة . و لا تتقاطع مع المقومات الدولية المعاصرة
*الورقة البيضاء والارادة السياسية للتطبيق؟
-العجز المالي مؤشر خطير على هشاشة السياسة العامة للدولة التي اتبعت خلال السنوات المنصرمة . و ان سياسة الاقتراض التي اتبعتها الحكومة الحالية يزيد الامر خطورة لان هذا التوجه قد يفضي في نهاية المطاف الى اعلان افلاس الدولة العراقية و حينها سيتم اعلان العراق دولة فاشلة ليكون ذلك مقدمة لتفتيت العراق على اساس ان الدولة الفاشلة لا يمكن معالجة حالها الا بتوزيع اسلابها الى دول اخرى على غرار ما حدث مع الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ان معالجة العجز المالي لا تكون بطريقة الاقتراض انما بتعظيم موارد الدولة . اما سياسة الاقتراض فانها قد تكون مفيدة لاغراض الاستثمار و ليس لاغراض الانفاق.
ما تسمى ( بالورقة البيضاء ) بنيت على فلسفة تحميل المواطن المظلوم مسؤولية الفساد و سوء الادارة و ضعف الاداء السياسي للطبقة السياسية لأنها سوف ترتكز على قواعد ستلحق الأذى بالمواطن منها رفع الدعم عن السلع و الخدمات – تخفيض الرواتب و الاجور- وغيرها ..
*كيف تفسر المعادلة الاتية: الامن- السلاح المنفلت – الانتخابات ؟
-بدءا نقول ان تأجيل الانتخابات قرار سياسي صرف والكاظمي لا يسعى للتصادم مع احزاب السلطة وهي تخشى من الرقابة الدولية لاعتيادها على التزوير والتلاعب بالانتخابات ، والسلاح المنفلت والمال السياسي المحرم هما اليات للسيطرة على السلطةوالانتخابات والامن لايسود الا بعودة واستقامة المؤسسة العسكرية واعادة الاعتبار للجيش العراقي وان يكون ولاؤه للوطن وليس للاحزاب – وانهاء دولة المكونات والحفاظ على هيبة الدولة.
*سمعنا الكثير عن سرقة عقارات الدولة ما تعليقكم؟
-على العراقيين ألّا يستغربوا من سرقة عقارات الدولة! الحكومة تملك دائرتين مختصتين لهما السلطة على عقارات الدولة، الأولى تقع داخل المنطقة الخضراء وتتحكم بالعقارات الموجودة داخلها وهي مرتبطة بمكتب رئيس الوزراء حصرا، والثانية عقارات الدولة العامة وترتبط بوزارة المالية وتتحكم بالعقارات الموجودة خارج المنطقة الخضراء ، والعقارات الموجودة خارج الخضراء هي التي تحوم حولها الشبهات وقد استحوذ عليها مسؤولون كبار في الدولة باثمان زهيدة”.ولفت إلى أن القضاء على هذه الظاهرة يتطلب تغيير قانون بيع وايجار أموال الدولة، والقضاء العراقي امامه العديد من الملفات والقضايا على اشخاص لقيامهم بالاستيلاء على أملاك الدولة الخاصة وتسجيلها بأسمائهم، بطريقة غير مشروعة، طالباً اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بحقّهم وبحق المتورّطين معهم وإعادة الأمور إلى طبيعتها.
* بدء الدعوات لإقامة أقاليم جديدة على غرار إقليم كردستان مع صعود بايدن للبيت الأبيض كيف تنظرون لهذه المفاهيم؟
-صعود الرئيس بايدن سوف لن يبتعد كثيرا عن سياسة ترامب في القضايا الخارجية. بايدن وهو المعروف بمشروع التقسيم قد يذهب إلى اعادة صياغة الدولة العراقية وفق صيغة فدرالية المكونات كحد ادنى ، او قد يذهب نحو تقسيم العراق اذا استمرت ادارة البلد بهذه الطريقة العفوية.
*كيف تعلقون على الخلافات المزمنة بين الحكومة الاتحادية والاقليم ؟
-ارى أن عدم اتفاق الحكومة الاتحادية مع حكومة إقليم كردستان، «يضعف» السيادة العراقية، واحذّر من أن الخلافات بين بغداد وأربيل، تفتح المجال أمام الدول الاقليمية التي لديها طموحات ومطامع بالاستيلاء على مناطق عراقية من الشرق (إيران) أو الشمال (تركيا)، منوهاً إلى أن العلاقات العراقية – التركية تحتاج الى وقفة جدية، والأخيرة لديها مشكلة مع القومية الكردية، وأن التنكر لحقوق القومية الكردية لن يحل المشكلة التركية، خصوصاً وأن العراق جرب هذا الشيء. واشدد على ضرورة أن يكون للعراق «جيش قوي» للرد، في حال لم يمتثل أي طرف من الأطراف المجاورة لاحترام حقوق السيادة العراقية، مضيفاً أنه من غير المعقول إبقاء مشكلة حزب العمال الكردستاني إلى سنوات طويلة، وعلى العراق ايجاد مخرج لهذه المشكلة دون انتهاك «الحقوق الآدمية» لحزب العمال الكردستاني..
*هل ستدخلون بشخصكم الانتخابات القادمة ؟
-على الصعيد الشخصي لم نحدد موقفنا النهائي من المشاركة في الانتخابات القادمة من عدمه، في انتظار التطورات اللاحقة ، مع ان المؤشرات لا تشجع لحد الان على المشاركة حيث ترجح انها لن تكون نزيهة وانها ستعيد نتاج القوى الحاكمة نفسها رغم انها لاتمتلك شعبية يعتد بها لذا اخشى ان تحدث فتنة كبرى.