حاورتها – عبير الديب
رافقني هذا الوهم إلى أن دخلت عالم الصحافة في بداية الثمانينيات، و بدأت رحلتي مع مختلف ضروب الإبداع، من الفن التشكيلي إلى السينما و المسرح و الدراما… تغطيات و دراسات و مقالات شغلتني عن ابداعي الخاص، عدت بعدها أدراجي إلى داخلي و عالمي الشخصي و ما أريد أن أقوله بطريقتي الخاصة، و لا أدري إن كان لاختصاصي في علم الاجتماع أثر على كتاباتي. ان الظواهر الاجتماعية و الحالات الفردية تلفتني دائما و تحرض ذهني، لتتحول إلى قصص قصيرة جمعتها على مدى أعوام في ثلاث مجموعات قصصية، بدءاً من (نافذة و بنت صغيرة تربط شريط حذائها على عجل ) ثم (عشر ثوان قبل الغروب ) و بعدها مجموعة كانت و ما تزال جرحا في ذاكرتي، إذ إنني نشرتها باسم مستعار كونها تتعدى على إحدى المحرمات الثلاث و تحديدا السياسة .
* سيدة رواد، ما هي العلاقة بين الواقع و الإبداع و ما نسبة تأثير كل منهما على الآخر ؟
– سأستعير نصا صغيراً للكاتب الكبير يوسف ادريس يوضح فيه علاقة الأدب بالمجتمع: ( أما نحن فإننا ندعو من أجل تدعيم هذا الأدب وتركيزه وتوضيح اتجاهاته إلى سلوك الالتزام. سموه ما شئتم، ذلك هو الأدب الحي الذي ينبع من المجتمع ويصب فيه ويكون صورة حية له، وذلك هو الأديب الذي يصهر عواطفه جميعها في بوتقة الناس وحاجاتهم. فينفذ إلى أغوار مشكلاتهم فيصدق في الإحساس وفي التعبير عنها والمشاركة في إيجاد حلول لها) .
الكاتب ينتمي إلى الواقع بما يتضمنه هذا الواقع من أحداث ومشاكل وأفراد تقوم بينهم علاقات متعددة المستويات، من جهة ومن جهة ثانية، وضعية الفرد الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، تلك الوضعية التي تجعل منه موضوعاً لدراسة أو مشروع قصة قصيرة أو رواية أو حتى قصيدة شعر أو لوحة.
ومن جهتي ككاتبة، لا أستطيع أن أعبر دون انتباه، بل كل ما يحصل في مجتمعي أراه بعين فاحصة وبذاكرة تسجيلية تساعدني على التقاط اللحظة أو المشكلة أو الحادثة وتحويلها إلى نص يرتكز على واقع وخيال وبعض تأملات، أو فلنقل: الكاتب هو الذي يتفاعل مع المجتمع، يتأثر به ويؤثر فيه، ويحاول أن يكون فاعلاً إيجابياً ، فنصه يعبر عما يحمله من فكر وثقافة ورؤى مستقبلية، إنه بشكل من الأشكال يحاول أن يضمّن أفكاره في نصه ويلمّح إلى الحلول أو يقترحها أحياناً، حتى لو أن الفن بشكل عام لا يستطيع أن يفرض حلولا.
* كناشطة اجتماعية واكبت مخيمات اللجوء السورية في لبنان من خلال ورشات عمل و توعية و استبيانات و غيرها، كانت في أغلبها تركز على النساء، هل تعتقدين أن الأثر الإيجابي لهذه النشاطات أثمر في الواقع أم أن قسوة الحياة تختلف عن أفكارنا الطوباوية حولها ؟
– كناشطة اجتماعية.. ما قمت به هو دراسة اجتماعية ميدانية عن واقع المرأة السورية في مخيمات اللجوء في لبنان، وكان الهدف منها الاطلاع على التغييرات التي حصلت على حياتها في وضعها الجديد، لا مجال للحديث عنها هنا.
أما بالنسبة لورشات العمل ، لُوحظت فائدتها ولو بالحد الأدنى، حيث أن الكثير من اللاجئات كن يرغبن في المشاركة خصوصاً في دورات محو الأمية والدورات المخصصة لتعليم مهنة. ورشات العمل بشكل عام مفيدة على كل الصعد. مما يعني أن المجتمع يحتاج إلى كثير من العمل في هذا المجال على النساء اللواتي يحملن إرثاً من العادات والتقاليد والقيم والمفاهيم التي تجعلهن خانعات في مجتمع ذكوري لا يرى فيهن الا وعاءً للإنجاب وحصر دورهن بخدمة الزوج والأسرة، لاحظنا أنهن قابلات للتغيير ، من ناحية دورهن أو ما يحملنه من إرث.
* قبل نشر مجموعاتك القصصية، عملت في الصحافة الرسمية والخاصة، ولوقت طويل، ما هو الفرق بين العمل في الصحافة الخاصة والعامة؟
– في بلدنا الفرق ليس كبيراً، الخطوط الحمر موجودة في كليهما، والسقف ليس مفتوحاً إلى أقصاه، لكن يبقى الهامش أوسع قليلاً. ومن خلال تجربتي بالصحافة الرسمية، أستطيع القول: على الرغم من تحديد الاختصاص ، فأنا كنت أهتم بتغطية الجانب الثقافي والفني كمتابعة نشاطات الفن التشكيلي من معارض وندوات وملتقيات والدراما والسينما أحيانا إلا أنني كنت مجبرة في الأعياد والمناسبات الوطنية والقومية، أن أغطي هذه المناسبات وبشكل روتيني ممل كل عام، وهذا يؤدي إلى خلل في النظام القيمي وفي القناعات التي قد لا تتطابق مع الحدث، فيشعرني ذلك أنني أكذب، والصحفي يجب أن يتميز بالنزاهة على ما أعتقد.
أما في الصحف الخاصة خارج البلد، الحقيقة، لا توجد أي خطوط حمراء أو غيرها، خصوصا في لبنان، بل العكس تختارين الموضوع الذي يعجبك وترفعين السقف قدر ما تشائين، وبالتالي لك حرية التفكير وطريقة المعالجة. الحقيقة، كانت تجربتي مع رصيف 22 خاصة جيدة ضمن هذه المعطيات، ناهيك من الفرق في الأجور، بغض النظر عن القيمة المادية .. فالأجر يدل على احترام الصحفي وتقدير عمله.
* بمناسبة الحديث عن الخطوط الحمر حدثتينا عن مجموعة قصصية نشرتها باسم مستعار، هل تعتقدين أن على الكاتب أن ينفصل عن الواقع لينتج أدبا يرضي أجهزة الرقابة في بلادنا والا فإنه سيطمس اسمه او يتحمل نتائج قد تكون مؤذية ؟
– ترددت كثيراً قبل أن أتخذ هذا القرار، فليس من السهل أن ترى عملا لك يوزع في المكتبات ويشارك في المعارض باسم غير اسمك.
ما زالت المحرمات في بلدنا كما هي لم يغيرها ما طرأ على العالم من تقدم وتطور في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. ومازلنا نخشى الرقيب بل أستطيع القول: أن في رأس كل منا رقيبه الخاص . ناهيك من أفرع الأمن، وهنا قد يكون الرقيب أمياً من حيث الاطلاع والثقافة، وبالتالي نتحول إلى ضحايا هذا الجهل، ويصبح مصيرنا في يده.
وكما ورد في سؤالك، هل على الكاتب أن ينفصل عن الواقع لينتج أدباً يرضي الرقابة، أقول: إنه من الصعب جدا على الكاتب أن ينفصل عن واقعه وإلا تحول إلى أداة، مهمة الكاتب إلقاء الضوء على الواقع بكل صدق لمعالجة الأخطاء فيه، أحياناً يلجأ الكاتب إلى التورية وعدم المباشرة وهذا الأسلوب قد لا يلبي ما يريد أن يقوله دائما، لذلك قد يلجأ إلى اسم مستعار.
* ما موقع القصة القصيرة على الساحة الأدبية اليوم في عالمنا العربي وماذا تتمنى رواد ابراهيم لهذا الجنس الأدبي الجميل؟
– 757 مليون أمي عالمياً بينهم 100 مليون عربي، كل 80 مواطنا عربياً يقرؤون كتابا في السنة، في المقابل يقرأ المواطن الأوروبي نحو 35 كتاباً في السنة.
6 دقائق يقرأ المواطن العربي سنويا بينما يقرأ المواطن الأوروبي بمعدل 200 ساعة سنوياً.
هذه الأرقام تدل على واقع العالم العربي بشكل عام من حيث اهتمامه بالقراءة، فكيف حاله مع القصة القصيرة في بلدان لا تقرأ، وكذلك فإن الاهتمام بالرواية _ وإن كان عدد القراء قليلا_ يعطي للرواية الأولوية، خصوصاً مع تخصيص الجوائز الكبيرة كجائزة البوكر العربية للرواية. ما نلاحظه أن القارئ العربي يهتم بالرواية الفائزة او التي رُشحت للفوز ويبادر لاقتنائها_ على قلة هؤلاء- وهناك عوامل أخرى عديدة ساهمت في انتشار الرواية أكثر من القصة القصيرة، القارئ العربي تعود على التعامل مع الرواية كنوع أدبي يلبي حاجته في التعرف على التفاصيل واسقاطها على الحياة التي يعيشها ، بعض الروايات تحولت إلى أفلام سينمائية مما زاد في شهرتها وتعريف المتابع بها.
الآن ربما يختلف الوضع قليلا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وإتاحة الفرصة للنشر عبرها، ومن جهة أخرى بدأ الجمهور يلجأ إلى المُنجز الذي لا يتطلب منه وقتاً طويلاً، وأعتقد أن القصة القصرة تلبي هذه الحاجة.
في الغرب وروسيا وتركيا وكثير من الدول، للقصة القصيرة حضور ملفت وكتابها حصلوا على شهرة كبيرة أمثال ألان إدكار ألان بو، تشيخوف وبونين وماركيز وعزيز نيسن وغيرهم، وهناك العديد من الأسماء العربية التي نالت شهرة أمثال: زكريا تامر ويوسف إدريس ،
ما أتمناه، أن يأخذ هذا الجنس الأدبي في وطننا العربي حقه في الدعم والاهتمام، وهذا يتطلب جهوداً فردية وجهات رسمية ودور نشر، خصوصا دور النشر التي يجب أن تتبنى المواهب الحقيقة في هذا المجال
* كونك كنت مسؤولة عن زاوية (على دروب الإبداع) والذي يهتم بالأدباء الشباب ماذا يمكن أن تقولي للشباب المبدع في العراق و الوطن العربي بشكل عام ؟
– أقول للشباب:
وهنا أقصد الشباب المهتم بالكتابة ومهما كان جنسها، ألا يعتمدوا على الموهبة فقط فهي ضرورية لاشك ولكنها غير كافية للمضي في حرث حقل الإبداع، جون ديوي عالم النفس يعطيها 5% ويعطي العمل والاجتهاد 95%. لا أحب التنظير أبداً ولكن لابد من نصيحة أقدمها لهم وهي : القراءة ثم القراءة ، فلكي تكون كاتباً مميزاً يجب أن تكون قارئاً جيداً، فحتى النبع يحتاج الى ماء المطر كي يستمر.
الآن وسائل التواصل الاجتماعي تأخذ كثيرا من وقت الشباب، لذلك عليهم أن يستفيدوا من المعلومات التي تقدمها وأن يخصصوا لها وقتا حسب برنامج يعطي مساحة للقراءة والمتابعة، دون أن تأخذهم عن عالمهم الحقيقي بشكل كامل.
* ما هي مشاريع رواد ابراهيم الأديبة لقادم الأيام ؟
أنا الآن بصدد إصدار مجموعة جديدة تتناول موضوعات متنوعة، لم اعتمد لها اسما بعد.. وفي ذهني مشاريع عديدة ولكن مؤجلة ،أهمها سيناريو عمل درامي للتلفزيون كوني خضت هذا المجال سابقا لكن بشكل أقل تركيزا، وفي حلقات متفرقة من اعمال تلفزيونية عرضت سابقا
لكن مشكلتي أحياناً في كثرة المشاريع و قلة التنفيذ.