كتاب الحقيقة

العراق يعود الى نفسه

من العبارات ملتبسة المعنى: عبارة ( عودة العراق الى محيطه العربي) .. العبارة استعارية بلا شك وحمولتها السياسية تقول، إن واقع مابعد 2003 ابعد العراق عن عمقه العربي، والسبب هو ان الثقافة السياسية التي انتهجتها اغلب القوى السياسية الجديدة ذهبت بالعراق الى ثقافة مختلفة تقوم على فكرة المكونات مقرونة بطابعها الجهوي، فغيّبت عمدا هوية العراق الرئيسة، ومن هنا فان العراق لم يعد جزءا من عمقه  العربي التقليدي، ورافقت ذلك حملة اعلامية تثقيفية متزامنة، قام بها عراقيون وعرب، بهدف التأصيل لعداء مفترض تحت غطاء طائفي وغيره، لاسيما في السنين الاولى للاحتلال والهجمة الارهابية الدموية المصنوعة ضد العراقيين.  

الحقيقة، ان ماحصل يمثل عرضا واحدا من اعراض المرض الاكبر المتمثل بالمشروع الاميركي الذي اعده (المحافظون الجدد) ايام الرئيس الاميركي بوش الابن، وعمل اوباما على اكماله باستخدام ادوات ارهابية، اشعلت النيران في المنطقة واغرقتها بالدم، تحت خدعة (الربيع العربي) خلال العقد المنصرم .. لقد كان مخططا للمنطقة ان تتفكك وتغدو دويلات طائفية وعرقية متناثرة ومتناحرة ايضا على الحدود والثروات، وتبدأ اللعبة من العراق الذي دفع ثمنا مركبا بعد تسليم غرب العراق لداعش في صفقة دولية سرية، لكن واقعا دوليا جديدا وقف بوجه هذا المشروع الجنوني واحبطه بعد ان قدمت دول المنطقة خسائر هائلة مازالت تداعياتها قائمة وستبقى الى امد غير معلوم ..

اذن، ابعاد العراق عن عمقه العربي أتٍ في هذا السياق، وكان مخططا له وليس عفويا، وقد جرى تكييف الواقع السياسي في عراق ما بعد 2003 للذهاب بهذا الاتجاه .. الان تغيرت استراتيجية اميركا ومن وقف معها سواء في المنطقة او العالم، وبعد تفاهمات دولية متواصلة لاسيما بين واشنطن وموسكو وبكين والاتحاد الاوربي، انتهت الى ايجاد مقاربة جديدة لحل مشاكل المنطقة التي تسبب بها (الربيع العربي) وترميم تداعياته الاقليمية والدولية .. العراق اليوم يدرك ان هذه الاستراتيجية تمثل فرصة لإعادة لملمة اطراف البلاد التي ساحت من خلال بعض قواها السياسية باتجاهات متعددة وتحت ضغط ظروف معروفة، وان قرارا عراقيا يؤسس عليه لمستقبل موحد، يجب ان يستحضر علاقات طبيعية مع محيطه العربي اولا، والابتعاد عن اللغة التصادمية مع الدول الكبرى بما يؤمن المصالح المشتركة للجميع .. ونعتقد ان حكومة الكاظمي وقوى عراقية، سواء الفاعلة منها على الساحة السياسية او خارجها الان او في الميدان الاجتماعي، بدأت تسير بهذا الاتجاه لإعادة العراق الى وضعه الطبيعي، لكي يعود الى نفسه بعد ان تغرّب العراقي ثقافيا في بلده لمدة قاربت العقدين، انتهت الى الخراب الكبير ..!

قد يهمك أيضاً