هل هي رشوة سياسية أم تمكين زائف؟ قيــس المختــار
وأنا أُطالع قوائم المرشحين للانتخابات القادمة.. والتي تجاوزت الآلاف كما عرفت.. استوقفني أمر أثار استغرابي : العدد الكبير للمرشحات من النساء . هذا الحضور اللافت دفعني للتأمل .. ثم للكتابة . هل نحن أمام صحوة سياسية نسوية حقيقية؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه استثمارا في الكوتا النسائية.. تلك التي باتت تُستخدم كأداة نفوذ أكثر من كونها وسيلة تمكين ؟
في ظاهر الأمر .. يبدو أن المرأة العراقية باتت تحصل على ما تصبو إليه إلى جانب الرجل.. وتشارك في كل المحافل.. وتطالب بالمساواة في الحقوق والفرص. لكن إذا كانت المساواة هي الهدف.. فلماذا الكوتا إذًا ؟ لماذا يُمنح للمرأة مقعد مضمون مسبقا .. بينما يُترك للرجل أن ينافس عليه ؟ أليس في ذلك تناقضا صارخا مع مبدأ العدالة الذي يُفترض أن يكون أساس العملية الديمقراطية ؟
الكوتا النسائية.. التي وُضعت في الأصل لتصحيح خلل تمثيلي .. تحولت إلى أداة تُستخدم من قبل الأحزاب لتجميل قوائمها .. أو لملء الفراغ القانوني دون اعتبار للكفاءة أو الاستقلالية . كثير من المرشحات يصلن إلى البرلمان لا بفضل أصوات الناخبين.. بل بفضل الحصة المفروضة.. ما يفرغ التمثيل من مضمونه .. ويجعل من الكوتا بابا خلفيا للنفوذ الحزبي أو العشائري . وما يزيد الأمر تعقيداً أن بعض المرشحات لا يمتلكن مشروعاً سياسياً واضحاً .. بل يُدفع بهن إلى الواجهة كجزء من توازنات اجتماعية أو صفقات انتخابية .. دون أن تكون لديهن رغبة حقيقية أو استعداد فعلي للعمل النيابي . في هذا السياق.. تصبح الكوتا أداة تمييز لا تمكين .. وتتحول المساواة إلى شعار يُرفع لا واقع يُعاش .
ثمة من يرى أن الكوتا ضرورة مرحلية في مجتمع لا يزال يعاني من هيمنة الذكورية .. لكن هذا الرأي لا يصمد أمام حقيقة أن المرأة اليوم تنافس الرجل في ميادين العمل والتعليم والإعلام .. وتثبت جدارتها في مواقع القرار. فلماذا لا تُمنح الفرصة الكاملة لخوض الانتخابات دون دعم استثنائي؟ لماذا لا تُعامل كمواطنة كاملة الحقوق .. تُحاسب وتُقيم وفقا لكفاءتها لا لجنسها ؟
إن استمرار الاعتماد على الكوتا النسائية بهذه الصورة لا يُعد انتصاراً للمرأة .. بل تكريس لفكرة أنها لا تستطيع الوصول إلا عبر استثناءات قانونية . وإذا كانت المرأة اليوم تنافس الرجل في كل الميادين.. وتطالب بالمساواة في الحقوق والفرص.. فإن عليها أن تُثبت جدارتها في ساحات التنافس الحر.. لا أن تُحاصر داخل مقاعد مضمونة تُمنح لها باسم التمكين.
المجتمع لا يحتاج إلى تمثيل شكلي.. بل إلى أصوات حقيقية تُعبر عن همومه وتدافع عن مصالحه. والمرأة .. إن أُعطيت الفرصة كاملة.. قادرة على أن تكون تلك الصوت. أما أن تبقى الكوتا وسيلة لتجميل المشهد السياسي أو لتمرير مصالح حزبية .. فذلك لا يخدم أحدا… لا المرأة .. ولا الديمقراطية.. ولا الوطن .
لقد آن الأوان لنُعيد تعريف التمكين .. لا باعتباره منحة تُمنح .. بل استحقاقا يُنتزع . فالمقاعد لا تُمنح لمن تحمل لقب (امرأة) .. بل لمن تحمل مشروعا .. رؤية .. وجرأة على التغيير.