مآب عامر
لم يكتفِ معرض بغداد الدولي للكتاب في دورته الـ26 بأن يكون موئلاً لعشاق الورق والحرف، بل تجاوز ذلك ليفتح أبواباً على عالمٍ من الأفكار والمعارف، حيث قدم باقة متنوعة من الفعاليات التي تلبي اهتمامات جميع شرائح المجتمع وفئاته العمرية.
ضمن العناوين العميقة، استقطبت محاضرة وزير الصناعة والمعادن الدكتور خالد بتال النجم، التي حملت عنوان “أصول التحولات الفكرية والعملية الناجمة عن قراءة الكتب”، جمهوراً كبيراً. وسلطت المحاضرة الضوء على الدور الاستراتيجي للقراءة في صقل الشخصية وبناء القدرات القيادية، مؤكدة أن الكتب، بما تختزنه من معرفة، هي المحرك الأساسي للإبداع وتهذيب السلوك.
وانتقالاً من سلطة الورق إلى تحديات العصر، حظيت جلسة “الأمن السيبراني في خدمة المواطن نحو عراق آمن في الفضاء الرقمي”، التي نظمها الجهاز الوطني للأمن السيبراني، بإقبال لافت. وناقشت الجلسة السبل الكفيلة بحماية البيانات الشخصية في العالم الافتراضي، وتم خلالها الإعلان عن إطلاق المشروع الوطني “أمان بوت” بنسخته التجريبية في 15 أيلول الماضي. ويعتمد هذا المشروع المبتكر على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم إرشادات فورية حول حماية المعلومات والأجهزة، والتحذير من الروابط المشبوهة، والوقاية من جرائم الاحتيال الإلكتروني.
كما تطرقت الجلسة إلى واقع الجرائم الإلكترونية في العراق، مستعرضةً الإطار القانوني والعقوبات المترتبة عليها. لم تقتصر فعاليات المعرض على المحاضرات الجادة، بل شملت أيضاً فسحات إبداعية، حيث استضافت جلسة شعرية حاشدة للشاعر القطري ناصر الوبير، ضيف الشرف في المعرض. كما شهدت قاعة أخرى حواراً أدبياً شيقاً أدارتْه الإعلامية جمانة ممتاز مع الأديب المصري أحمد مراد. شكّل الأطفال وأدبهم محوراً أساسياً في هذه الدورة، حيث تحولت أجنحة كتب الطفل والناشئة إلى نقاط جذب رئيسية للعائلات، مما يعكس حرص الأسر العراقية على غرس حب القراءة في الأجيال الجديدة. وفي خطوة إنسانية مميزة، نظم فريق التواصل الحكومي رحلة معرفية داخل أجنحة المعرض لـ 220 طفلاً من الأيتام.ولم يكن هذا الاهتمام عشوائياً، فقد لوحظ تركيز واضح من دور النشر هذه السنة على تعزيز المحتوى المخصص للطفل، سواء من ناحية الكم أو النوعية، مع تنوع كبير في العناوين بين القصص المصورة، والكتب التعليمية، وسلاسل المغامرات، والإصدارات الجديدة. وإذا كان ثمة ما ميّز هذه الدورة، فكان تبني مؤسسات عدة لمبادرة توزيع قسائم شرائية مجانية بقيمة 25 ألف دينار للمتسوقين. هذه الخطوة لم تكن مجرد دعم مالي، بل تجسيدٌ لرؤية أوسع تهدف إلى تشجيع القراءة وإتاحة الوصول إلى الكتاب لأكبر شريحة ممكنة، في إطار مسيرة العراق لإعادة إحياء الثقافة.









