الاخيرة

في بيتنا (أبو تحسين)..!

حوار: محمد مؤنس

في 9/ 4/2003 سقط نظام صدام، فزغرد (نعال أبو تحسين) على رأس الطاغية، إيذاناً بالنصر العظيم، ودلالة على تحقيق العرس الكبير. وحين عزف أبو تحسين سمفونية الحرية في ظهيرة ذلك اليوم الربيعي، فإنه كان يؤكد بضميرة الأبيض الطاهر رحيل الجلاد الذي أدمى ظهر العراق بسياط العبودية خمسة وثلاثين عاماً.. لقد سمعت من يقول بأن لا طعم ليوم التاسع من نيسان، ولا مصداقية ليوم التحرير الكبير في قادم السنين والأيام، ما لم تكن هناك صورة (لنعال أبو تحسين)، ولقطة للصنم فيه، وهو ينهار على ركبتيه في ساحة الفردوس.. إنه يومنا الخالد، الذي بدأت به أبجدية الحرية تنطق أول حروفها البهيجة، لتتوالى بعدها الأناشيد، والأغنيات الوطنية، ولكن يبقى (لأداء) أبي تحسين طعم خاص، فهو الأداء الجمالي والوجداني الأروع في كل ما سيذكره التاريخ عن (عمليات) التحرير في ذلك اليوم النيساني.. رغم أن هناك الكثير من الصور الباهرة التي تظل راكزة في ضمير العراقيين الى زمن طويل.

 

وجهاً لوجه مع أبي تحسين
حين أخبرنا الزميل رئيس التحرير بأن ثمة من سيزورنا اليوم، وسنسعد به جميعاً، رحنا نضرب أخماساً بأسداس، ونتساءل فيما بيننا عن هذا الزائر العزيز الذي سنسعد بزيارته اليوم.. ونقلب في ذاكرتنا بعض الأسماء القريبة منا.. لكننا لم نصل الى شخصية هذا الزائر، حتى طرق الباب، وحين دخل الزائر، قفزنا جميعاً لاستقباله.. نعم إنه عزيز فعلاً، (ومعزته) ليست عندنا نحن فحسب، إنما هي عند كل العراقيين الأحرار.. جلس وسطنا، فتركنا ما في أيدينا، وأنشغلنا به، فهذا الرجل يستحق حفاوتنا وتقديرنا، ألم يعلن (بنعاله) عن سقوط صدام؟
ألم يحفظ العراقيون جملته الشهيرة وهو يخاطب صدام بحرقة، ووجع حقيقيين: (لك شسويت بينا)؟!
 فعند تلك الصورة فقط، وبتلك اللقطة الخرافية التي نقلتها مئات الفضائيات في مشارق الارض ومغاربها، أيقن الجميع أن نظام البعث قد انتهى الى الابد..
وحين وجدت نفسي جالساً قبالة هذا الرجل الوطني الشجاع، طلبت من الزميل رئيس التحرير، وأنا الذي لم أطلب منه من قبل، أن (يكرمني) بشرف أجراء الحوار مع (أبو تحسين)، خاصة بعد أن تلمست بحساسيتي المهنية أن أبا حسون سيقوم بنفسه في إجراء هذا الحوار، حتى أنهما التقطا الصور الخاصة بالحوار.. لكن الزميل أبا حسون إبتسم لي، وقال: الطيبون للطيبيين، فأجرِ حوارك مع أبي تحسين، وموفق فيه. فشكرته، وألتفت نحو أبي تحسين، فوجدته، يبادرني قائلاً:
شكراً لك أخي العزيز، وثق بأن طلبك هذا يفرحني، بل ويشرفني أيضاً.. فأنت، ورئيس التحرير، وكل كادر “الحقيقة” أعزاء عندي جداً.. فهذه جريدتي وجريدة العراقيين الأحرار .. ثم أكمل قائلاً:
 – في البداية اهنئ الشعب العراقي العظيم بمناسبة سقوط صدام حسين، ونظامه الدكتاتوري الذي دمر العراق والعراقيين، وأذاقهم الكثير من الويلات والمآسي.
* من هو ابو تحسين؟
– انا جواد كاظم عواد، من جذور فلاحية.. كان مسقط رأسي في بغداد.. وقد ولدت فيها عام 1950 ..
انتمي الى الطبقة العاملة، وانتميت الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي في بداية السبعينيات.. شهادتي الدراسية هي الابتدائية لاغير .
وبحكم إنتمائنا الطبقي لم تكن هنالك افكار او احزاب تقنع المجتمع، والمواطن العراقي بأفكارها أو ايديولجياتها غير الحزب الشيوعي،  الذي إحتضننا بافكاره التقدمية الوطنية، التي دافعت عن العمال والفلاحين وجميع الطبقات الكادحة.. ليس في العراق فقط بل في جميع انحاء العالم.. ولا أخفي عليك، فقد تثقفنا بأفكار هذا الحزب، وتطبعنا بأخلاقه العالية، وصرنا نتحلى بقيمه وسلوكه ووطنيته العالية، فعرفنا كيف نعامل الناس بأدب جم، وكيف نحترم الآخر، وكيف نحافظ على اموال الناس وأعراضهم، وكيف نحترم شرف الآخرين، ونقدسه كثيراً، لذلك لا تستغرب اليوم حين تجد الشيوعيين يحظون بإحترام الجميع، خصوصاً في قضايا النزاهة والطهر، والوطنية العالية.. عملي اليوم.. يضحك ابو تحسين ويقول: أشتغل هسه متقاعد.. هذا هو أبو تحسين!!
* هل كان تواجدك في ساحة الفردوس يوم 9/4/2003 مجرد صدفة.. ام كنت مهيأ لمثل هذا اليوم؟
– بودي ان أصحح المعلومة وأقول ان الحدث لم يكن في ساحة الفردوس، بل كان في باب اللجنة الاولمبية العراقية، وقد كان مجرد حدث عفوي خالص لم اكن مهيأ له بأي شكل من الاشكال، فقد جرى هكذا، وانتهى مثل ما تعرفون.. إذ كنت في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً صدفة هناك، وأجزم أن هذا الحدث الذي نقلته جميع وسائل الاعلام ومئات الفضائيات في العالم كان بمثابة البيان رقم (1) لزوال أكبر نظام دكتاتوري في المنطقة.. وإشارة الى بداية عهد جديد.. وثق بأن تلك اللقطة كانت عفوية، وغير مصطنعة.. لقد كانت تعبير حقيقي عن ما في صدري من كره لصدام الطاغية ولنظامه الدموي.. لقد كنا في وقتها بحاجة لهذا الفعل، فحصل دون تخطيط.. وقد خدمتنا الظروف، وساقتنا الأقدار الى هذا المكان، والى مثل هذا التصرف.
* إذا كان الأمر عفوياً، فلماذا هذه الحرقة الواضحة في صوتك، وتعبيرك، وتصرفك؟
– إن في سؤالك هذا أجابة شافية، فلو لم تكن اللقطة عفوية لما خرجت هذا الحرقة، ولا هذا الكبت والوجع المتراكم في صدري، لقد ذبح صدام أولادنا وأحبتنا وأردت أن أذبحه بذلك النعال، فهو سلاحي الوحيد في تلك اللحظة التاريخية.. فعندما يكون عمرك (60) عاما وقد سلب منك هذا الشخص أربعين عاما دون ذنب جنيته فماذا بقى لديك من عمر، وكيف سيكون تصرفك معه؟ لقد عانينا خلال هذه الاربعين عاماً شتى أنواع الظلم والرعب والخوف والاضطهاد والأجرام..  حتى أصبح الجميع في سجن كبير، فأنت على سبيل المثال لا تعرف متى ستساق الى الخدمة العسكرية، لتقتل أو تؤسر، أو تفقد، وأنا لا أعرف متى سأعتقل، أو أعدم، وأبني لا يعرف متى سيقتل .. لقد كان الجميع يتوجس خشية ان يكون في اي لحظة معتقلاً من قبل الامن او المخابرات او الحزب او او او . ونحن لدينا تجربة في ذلك فقد اقتيد الكثير من رفاقنا في الحزب الشيوعي، واعدم عدد كبير منهم بلا محاكمة، والبعض الآخر لا نعرف مصيره حتى هذه اللحظة. لذلك ترى ان الحرقة قد خرجت من قلب مواطن حر ذاق الامرين، وثق بأن حالي لا يختلف عن حال الكثير من العراقيين الذين ذاقوا مرارة الأسى.
*هل هناك من جهة او دولة معينة طلبت منك هذا (النعل) مقابل مبلغ كبير من المال، حيث نشرت بعض الصحف ذلك؟
– لا لم تكن هناك أية دولة عرضت ذلك، فهي مجرد إشاعة تضخمت في وقتها، وليس لها شيء من الصحة. لكن هنالك بعض المواطنين الكويتين طلبوا مني  وقتها هذا (النعل) مقابل مبلغ من المال فأجبتهم بأننا مواطنون عراقيون وطنيون وليس لدينا شيء نبيعه مهما كان شأنه او قيمته او إسمه.. وهذه مواقف وطنية لا تشترى أو تباع.. ولا أخفي عليك فقد كنت اتمنى ان يكون هناك متحف وطني يضم ويشمل كل الذين ساهموا في اسقاط النظام الدكتاتوري، فيوضع فيه هذا (المداس) وغيره من الامور المادية المحسوسة والملموسة التي مازالت عالقة في ذاكرة المجتمع العراقي، وقد طال انتظارنا لوجود هذا المتحف الذي لم ير النور لحد الان لذا اضطررنا لاهداء (النعال) الى جهة وطنية تستحق هذه الهدية، وقد تقبلوها منا مشكورين.
* هل من كلمة اخيرة؟
– نعم، فأني أود أن اوجه ندائي الى كل السياسين الجدد بلا استثناء في ان ينتبهوا الى الشعب العراقي الذي ضحى كثيراً، وان يكونوا بقدر المسؤولية، لان الله يرحم، والتاريخ لايرحم مطلقاً..

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان