ثقافية

طقـــوس الكتابـــة .. ليو تولستوي

“يجب أن أكتب كل يوم بلا فشل، ليست الجودة ما يهمني بقدر ما يهمني الالتزام بالروتين”. كان هذا تولستوي في إحدى يومياته القليلة التي كتبها خلال ستينيات القرن التاسع عشر عندما كان غارقاً في العمل على “الحرب والسلام”. مع أنه لا يصف روتينه في هذه اليوميات إلا أن ابنه “سيرغي” سجل لاحقاً الطابع العام لأيام والده في “ياسنايا بوليانا” ملكية العائلة في إقليم تولا الروسي:من أيلول إلى أيارنستيقظ نحن الأبناء مع مدرسينا بين الثامنة والتاسعة صباحاً ونذهب للصالة لتناول الفطور. بعد التاسعة صباحاً ينزل والدي من غرفته مروراً بالصالة وللطابق السفلي حيث يقضي حاجته، وكنا دائماً نقول: أنّ والدي معكّر المزاج حتى يغتسل. ثمّ يصعد ويتناول فطوره المكوّن من بيضتين مسلوقتين، ولا يتناول شيئاً آخر حتى الخامسة بعد الظهر.

لم يكن يتحدث كثيراً عند الإفطار ويذهب بعده إلى مكتبه مع كوب من الشاي. لا نراه إلا قليلاً حتى موعد العشاء.”وفقاً لسيرغي، كان تولستوي يعمل في العزلة ولم يكن يسمح لأحد بالدخول إلى مكتبه والأبواب المتصلة به تبقى مقفلة ليتأكد أن أحداً لن يقاطعه. لكن ابنته تاتيانا تناقض هذه الرواية وتذكر أنّ والدتها كانت تدخل لمكتبه وتجلس لتخيط بهدوء بينما يكتب. قبل العشاء يذهب تولستوي للمشي والإشراف على العمل في ملكيته، ثم يجتمع لاحقاً بالعائلة في مزاج أكثر اجتماعية. يكتب سيرغي:“في الخامسة نتناول العشاء الذي يصل والدي له متأخراً. يأتي متحفزاً ويروي لنا أحداث يومه. بعد العشاء يقرأ أو يتحدث مع الضيوف إن وجدوا، وأحيانا يقرأ لنا جهراً ويطلع على دروسنا. في العاشرة ليلاً يجتمع سكان الملكية لشرب الشاي قبل الذهاب للنوم أو القراءة أو عزف البيانو. ثم ينام والدي عند الواحدة صباحاً.”

 

فلاديمير نابوكوف

الروائي الروسي المولد لديه طقوس شهيرة. في العام 1951م بدأ كتابة روايته “لوليتا” بالقلم الرصاص على بطاقات فهرسة مسطّرة وحفظها في صندوق للبطاقات. يقول: أن سبب اختياره لهذه الطريقة هو إمكانية إعادة ترتيب وفرز المقاطع في الفصل الواحد كما يحبّ. صندوق البطاقات مكتبه المتنقل أيضاً. كتب نابوكوف هذه البطاقات خلال رحلة بالسيارة عبر أمريكا، كان يكتب ليلاً في المرتبة الخلفية من سيارته المركونة ويصفها بالمكان الأهدأ في البلاد. بعد شهور من العمل الشاقّ سلّم البطاقات لزوجته لتطبعها على الآلة الكاتبة ثم يعود لمراجعتها مرات ومرات. في شبابه كان يكتب في السرير مع سلسلة من السجائر لكنه عندما توقف عن التدخين وكبُر تغيرت عاداته. يصف روتينه اليومي في لقاء أجري معه في العام 1964م:

“أبدأ يومي بالعمل وقوفاً في غرفة المكتب، وعندما تترك الجاذبية الأرضية أثرها على مؤخرتي أجلس على كرسيي المريح ذي الذراعين أمام طاولة الكتابة. أكتب حتى تترك الجاذبية الأرضية أثرها على عمودي الفقري وأتمدد على أريكة في زاوية المكتب”

في هذا الوقت من حياته كان نابوكوف مستقراً مع زوجته فيرا في شقة من ست غرف في الدور العلوي من فندق القصر بمونترو السويسرية. في نفس اللقاء أعطى نابوكوف مزيداً من التفاصيل حول روتينه اليومي:استيقظ حوالي السابعة صباحاً في الشتاء. ابقى مستلقياً في سريري أراجع وأخطط للأشياء. حوالي الثامنة أحلق ذقني، أتناول فطوري، أتأمل، ثم أستحم وكلّ هذا بنفس الترتيب. ثم أبدأ العمل حتى موعد الغداء. وقبل ذلك أخرج للمشي مع زوجتي بجانب البحيرة. نتناول الغداء في الواحدة ظهراً ثم أعود للعمل في الواحدة والنصف لمكتبي للكتابة حتى السادسة والنصف. بعد ذلك أخرج من جديد للمشي والمرور على بائع الصحف لشراء الصحف الإنجليزية ثم أتناول العشاء في السابعة. لا عمل بعد العشاء. الذهاب للسرير عند التاسعة ليلاً، اقرأ حتى الحادية عشرة والنصف وأصارع الأرق حتى الواحدة صباحاً.”يحبّ نابوكوف مشاهدة مباريات كرة القدم على التلفزيون وكتابة مسائل الشطرنج وبالطبع تتبع الفراشات التي يحبها ويدرسها في صيف جبال الألب.

قد يهمك أيضاً