ملف خاص

اللقاء الأول بين عبد الكريم قاسم والجواهري

عقيل الناصري

 

بصفاء لغته واعتزازه الكبير بذاته المتمردة يصف الجواهري هذا اللقاء بالقول: « في الملحقية العسكرية في لندن: كانت بعثة عسكرية خاصة تضم ملحقين وموفدين من ضباط يتسابقون عليَّ ويجرني الواحد بعد الآخر من أرادني ؟ وكان بينهم ضابط شاب، كان من دونهم، أشد إلحاحاً علي بأخذ حصة أكبر، أو الحصة الكبرى من الجلسات واللقاءات، من جملة ذلك أن اصطحبني إلى بيته وهو شقة متواضعة بملحقيتها. هذه « الدويرة» شهدت ثلاث لقطات، تصح أن تكون على بساطتها ذات كلمة ومغزى، لما سيكون لهذا الرجل من دورٍ خطير في تاريخ العراق… لم يكن هذا الرجل سوى عبد الكريم قاسم .

صحب الزعيم قاسم، الجواهري إلى مختلف مناطق لندن ليطلعه على معالمها، بعدما نفر من البرنامج الموضوع لهم ومن صحبة بعض الصحفيين الذين كانوا معه ضمن الوفد. كما كان قاسم بمثابة مترجم له عند مراجعة الأطباء وزيارة المعالم الثقافية. كان قاسم معجباً أيما إعجاب بالجواهري الكبير، في كثير من مواقفه السياسية المناهضة لسياسة نخبة الحكم وارتباطها ببريطانيا وفي دفاعه عن الفقراء والمحرومين، وفي قصائده الشعرية موضوعةً وهدفاً، المتميزة بالصورة الجمالية وصفاء اللغةً، وسلمها الموسيقي المنفرد في انسيابيته. 

في ذات الفترة يسافر الوصي عبد الإله إلى لندن, حيث كان يقضي إجازته فيها, « وقد أرسل في طلب الجواهري, وتحادث معه طويلا حول ترشيحه إلى الانتخابات النيابية, وطلب إليه تمديد اقامته في لندن ليعود معه في وقت واحد إلى بغداد. لكن الجواهري اعتذر له بعدم امكانية بقائه لمدة أطول في لندن, وكان متضايقاً من اقامته فيها.

خرج الجواهري من اجتماعه بعبد الإله متوجها إلى الموعد مع صاحبه (الضابط برتبة رائد), حيث حجز له موعدا مع طبيب الاسنان وفي الطريق تحدث إليه عن الانتخابات النيابية المزورة, وخلو مجلس النواب من أصوات وطنية محترمة , لكن الضابط انتقل بالحديث , إلى حفلة المساء الماضي وأبدى دهشته وارتياح الجواهري. وأخذ يترجم له الخبر المنشور تحت الصورة في الجريدة وخبر رويتر قائلا ببراءة: إن الشعراء مسموح لهم كل شيء, وهم يشكون من عدم وجود الحرية. أما نحن العسكريون, فلا نتمتع بأية حرية ولا نشكو انعدامها. 

بعد ذلك, كان قاسم « يتابع مواقفي الوطنية والاجتماعية، وبخاصة الشعرية منها. وكنت الوحيد الذي يناديني بـ « الأستاذ « أمام اتباعه وغيرهم وفي أكثر من موقف… «. كما كان قاسم منذ بدء علاقته « صادقاً معي كل الصدق وأميناً كل الأمانة ونظيفا كل النظافة في حفاظه على تلك العلاقة، وصحيح كذلك أنه لم يصل مدني واحد في العراق هذه الدرجة من الثقة والوطادة والعلاقة… حتى وصل الحد به إلى أنه أعلن وهو يفعل ما يقول: أنني لا أرد طلباً للجواهري .

استمر هذا الفراق المؤجل حتى ثورة 14 تموز حيث تجددت العلاقة بينهما ثانيةً ببعدِ جديد ذي علاقة خاصة ومضامين بنائية مستهدفة.. وقد « تقاسم الصديقان الزعامة!! عبد الكريم قاسم زعيم السلطة السياسية. والجواهري زعيم السلطة الثقافية وزعيم الصحافة . وكان عبد الكريم قاسم يتعامل مع الجواهري صديقاً وسياسياً, كما هو شاعر كبير, فيشاوره في الأوضاع السياسية, ويجالسه طويلاً في الأسبوع أكثر من مرة.

 

قد يهمك أيضاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والإعلان